مفهوم التسامح.. تحت أنوار لوك وبايل وفولتير (الحلقة الثانية )

مفهوم التسامح.. تحت أنوار لوك وبايل وفولتير (الحلقة الثانية )
بقلم : أحمد المعطاوي

ثالثا، تسامح بيير بايل:

وإذا كان جون لوك يقول في رسالته عن التسامح “إن القوم الذين لا يؤمنون بالله لا يستحقون أن يعاملوا بالتسامح، فإن الكافر لا يقيم وزنًا لعهد أو قسم أو ميثاق وتلك الروابط التي يتماسك بها المجتمع الإنساني.

إن استبعاد الله ولو في الفكر ينقض هذه الروابط نقضًا، هذا فضلا على أن هؤلاء الذين يقوضون بإلحادهم الأديان كلها لا يمكن أن يزعموا أن لهم دينًا يطلبون بمقتضاه حق التسامح.”

فإن بيير بايل يخالفه الرأي، فأخطر ما توصل إليه بيير بايل هو فرضيته المسماة “مفارقة بايل”، التي تقوم على أنه لا توجد علاقة بين الأخلاق والدين، وبالتالي فإن الشخص الملحد ممكن أن يكون مواطنا طيبًا وصالحًا، وكتب بيير بايل جملته الشهيرة الساخرة: “إن أكبر الآثمين في هذا التاريخ الذين تقشعر من هول جرائمهم الأبدان يؤمنون بوجود إله… وحتى الشيطان نفسه الذي يغوي البشر فيقودهم إلى الضلال يؤمن بوجود الله، وبهذا نرى التشابه بين خبث المجرم المؤمن وخبث إبليس؛ فإن كليهما لا ينكران وجوده”.

بايل الذي ولد سنة 1647م، والمعاصر لجون لوك، بدأ بروتستانتيا وانقلب كاثوليكيا، ثم عاد بروتستانتيا، يوصف تقليديا بأنّه متشكك على الرغم من أنّ طبيعة ومدى شكوكه لا تزال محل نقاش ساخن، كما اشتهر بدفاعاته الصريحة عن الإيمان الديني ضد هجمات العقل، ولهجماته على العقائد اللاهوتية الخادعة، وصياغته لعقيدة الضمير الضال كأساس للتسامح الديني.

لقد كان بيير بايل باعتماده على نزعته الشكية يعتقد أن الإيمان الحقيقي بالمذهب هو عبارة عن تصور وانطباع شخصي عن الرب، وبما أن العقل نفسه لا يملك القدرة الكافية في التيقن والاطمئنان، إذن لا محيص عن العمل بأصالة فقدان اليقين ومن هنا ينشأ اللجوء إلى فكرة التسامح .

ولأن العقل يحتمل الخطأ والصواب، وما أكثر الغموض وعدم الاستنارة في معرفة الأحكام اليقينية، فكل فرد يمكنه العمل بما توصل إليهن ولا يجوز لأحد التضييق عليه فيما يتبناه، ويجب ترك كل إنسان لضميره، فهو المرجع الوحيد الذي يمكنه الرجوع إليه، ومن هنا كانت ضرورة التسامح الكامل التي دعى إليها بيير بايل.

وتفترض حجة بايل للتسامح الديني على أساس مذهبه عن الضمير الخاطئ أنّ علينا واجب وحق في التصرف وفقًا لأنوار الضمير، وهذا ادعاء أقل إثارة للجدل عندما تكون معتقدات الضمير دقيقة، ومع ذلك فإنّ عقيدة بايل عن الضمير الخاطئ تستلزم أنّه حتى عندما تكون معتقدات الضمير خاطئة فإنّ نفس الواجبات وحقوق الضمير تحصل.

يضع بايل بعض الشروط على إكتساب هذا الضمير الضال وهي حسن النية، حيث فقط عندما يكون الضمير المخطئ (بحسن نية)، يحصل الضمير الضال على الحقوق والواجبات ذات الصلة، ويتمسك بايل باستمرار بشرط (حسن النية) في كل من الرسائل النقدية الجديدة والتعليق الفلسفي.

في الرسائل النقدية الجديدة كتب أنّ: ” أخطاء حسن النية لها نفس الحق على الضمير مثل الأرثوذكسية سواء اعتنقنا هذه الأخطاء قليلاً جدًا، أو ما إذا كنا قد أجرينا عليها الفحص الأكثر صرامة الذي يمكننا إدارته” ، ويضع بايل أخطاء حسن النية للشخص العادي المخلص على قدم المساواة مع أخطاء حسن النية للمفكر الصارم، والأهم من ذلك على نفس الأساس مثل الأرثوذكسية.
يتبع..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *