قصر البحر معلمة تاريخية بأسفي بين انتظارات الترميم وأهمية التخصيص

قصر البحر معلمة تاريخية بأسفي بين انتظارات الترميم وأهمية التخصيص
أسفي/ أحمد قيود

عند سقوط الدولة المرينية سنة 1465 أصبح المغرب حينها هدفا لمطامع الدول الأوربية، حيث بدأت البرتغال بالتسرب إلى ثغور البلاد مند سنة 1415 بدء باحتلال مدينة سبتة، ومنها نحو باقي المدن المتواجدة على ساحل المحيط الأطلسي، وخاصة منها ثغر أسفي الذي كان يومها يعيش صراعات داخلية بين حكامه المحليين، الأمر الذي استغله البرتغاليون من أجل التوغل والاستحواذ على تجارته و التي كانت تعتمد على التجارة وصناعة النسيج التقليدية، ولحماية تواجدهم أكثر من هجومات السكان المحليين فكروا في تشييد حصن جديد أشد قوة ومتانة قادر على صد أي هجوم محتمل والذي تطلب بناءه ما يقارب 15 سنة أي من سنة 1508 إلى سنة 1523.

و تم تشييد المبنى على مساحة 3900 متر مربع في موقع استراتيجي يسمح بمراقبة الطرق الساحلية وأنشطة الموانئ والحركة التجارية في واد الشعبة والميناء القديم.

اتخذ المبنى شكل حصن عسكري مستطيل به ثلاثة أبراج لكل منها وظيفة محددة، حيث استخدم البرج الأكبر لتخزين الإمدادات والذخيرة، بالإضافة إلى استخدامه كمقر للحاكم العسكري، وتم وضع عدد قليل من الحراس لحراسة الجانبين الجنوبي والشرقي من الحصن، كما احتوى الحصن على العديد من الغرف والممرات ومخازن الحبوب ومستودعات الأسلحة، وكذلك القاعات التي كانت تستخدم لسجن الأسرى والقاعات الكبيرة التي كانت تُعقد فيها الاجتماعات والمؤتمرات والمشاورات العسكرية، كما كانت هناك فتحات في جدرانه العالية تستخدم للمراقبة، ومع بداية فترة حكم سلالة السعديين في المغرب في عام 1541، أصبح قصر البحر حصنًا دفاعيًا للمدينة ضد العدوان العسكري الأجنبي.

لقد أطلق البرتغاليون على القلعة في البداية اسم “كاستلو” نوفو، ثُم أطلق عليها الرحالة الفرنسي جول “بورولي” لاحقًا اسم قلعة البحر، وصُنفت قلعة البحر في فبراير عام 1924 كأول موقع أثري للتراث المغربي.

ولأهميتها أصدرت السلطات الفرنسية طابعًا بريديًا يحمل صورة القلعة أثناء استعمار المغرب. وفي عام 1937، سقط القوس الغربي من القلعة إلى جانب جزء من القاعات في المحيط بعد أن ضربت عاصفة عنيفة مدينة آسفي. وقامت وزارة الخارجية للفنون الجميلة بإجراء عملية ترميم لمبنى القلعة بدأت منذ عام 1954 واستمرت حتى عام 1963. وبعد إجراء أعمال الترميم، افتتحت القلعة للزوار كموقع تاريخي في عام 1963.

أصبح قصر البحر عرضة لعدة انهيارات بسبب تآكل أجزاء من الجرف الذي كان يدعمه نتيجة تعرضه بشكل دائم لتكسر الأمواج وخاصة أثناء العواصف الشتوية الشديدة، مما تسبب في انهيار الكتل الصخرية وتكوين الكهوف والفراغات أسفله.

وبحسب الدكتور سعيد الشمسي عالم الآثار ومؤلف كتاب قلعة آسفي الجديدة، فقد ظهر الصدع الأول في قصر البحر في عام 1937، ونظرا لتعرض الجرف المشكل لأساسات البناية لصدمات الأمواج المستمرة مما أدى لتآكله بشكل غير متوقع، بدأت السلطات في عام 2000 بتنفيذ حل يتمثل في ملء الشقوق والتصدعات الحادثة بالخرسانة المسلحة، ومع ذلك فإن نجاعة هذا القرار لم تكن فعالة لأن المشكلة كانت نابعة بالفعل من الصخرة الأم التي بنيت عليها القلعة وليس من المبنى نفسه.

وهكذا فإن المدة الممتدة من عام 1937 وحتى عام 2017، أي على مدار ما يقارب 80 سنة، كانت قد عرفت قلعة قصر البحر عدة حركات خلخلت استقراره، مما أدى في الفترة ما بين سنتي 2001 و2004 إلى انهيار جزء مهم من الجدار الغربي للقلعة الذي كان محميًّا بعدة مدافع.

ثم بعد ذلك انهيار جزء من برجها الجنوبي الغربي مما حدا بالسلطات المحلية في عام 2010 إلى إغلاق الموقع بشكل نهائي أمام الزوار.

ورغم كل المحاولات المحتشمة التي قدمت من طرف وزارة الثقافة والاتصال المغربية منذ سنة 2020، حول مشروع ترميم قلعة قصر البحر بتعاون مع كل من جمعية حوض آسفي و المجلس الإقليمي لآسفي ومجلس المدينة وجامعة إيفورا البرتغالية، فإن الأمر لم يستقر على أساس منطقي قابل للتنفيذ على مستوى الواقع، حيث أنه في فبراير 2021، وافق المجلس البلدي لمدينة آسفي على اتفاقية تدعيم وترميم وتحديث الواجهة البحرية لقلعة قصر البحر وتحويله إلى مركز تراث بحري وطني، و خصص لهذا المشروع ميزانية قدرها 134 مليون درهم، إلى جانب شركاء آخرين منهم وزارة الداخلية بهبة قدرها 30 مليون درهم ، بينما بلغت الميزانية التي خصصتها وزارة التجهيز للمشروع حوالي 80 مليون درهم، ووزارة الثقافة التي ساهمت ب 10 مليون درهم، وساهم المجلس الإقليمي بمبلغ 10 مليون درهم، ثم المجلس الحضري لآسفي بمبلغ 4 مليون درهم. كل ذلك من أجل إنقاذ هذه المعلمة بهدف تحويلها إلى مركز تراث بحري وطني. الأمر الذي يتنافى وطبيعة التخصيص التي تلائم هذا النوع من المآثر التاريخية.

 فمن منطلق العديد من التساؤلات التي تم طرحها وتداولها بين فئات عريضة من الساكنة من قبيل : ماهي طبيعة هذا التراث البحري الذي سيتم عرضه بهذه القلعة التي قد لا تسع مساحات قاعاتها لعرض حتى أجزاء من سفينة قديمة وبالأحرى مختلف التجهيزات المستعملة في عملية الصيد عبر مختلف الأزمنة التاريخية؟..

هذا القرار الذي اتخذ من جانب أحادي ودون إشراك المجتمع المدني وباقي فعاليات المدينة التي طالما انتظرت وبفارغ الصبر أن يخصص هذا الفضاء لاحتضان التظاهرات الثقافية والفنية والعلمية، خاصة إذا علمنا أن آخر قرار تم اتخاذه من طرف وزارة الثقافة في حق هذه المدينة هو تخصيص القاعة الوحيدة المتواجدة بمدينة الفنون والقاعة الوحيدة المتواجدة بالمركب الثقافي لحي الزاوية كدور سينما لعرض الأفلام.

وهكذا، فمنذ أن تم وأد أهم معلمتين ثقافيتين بأسفي دون تعويضهما وهما دار الشباب علال بن عبدالله، ومركز النادي البحري، وبالتالي فتخصيص قصر البحر بعد ترميمه لأي نشاط غير الثقافة يعتبر وأد للثقافة عامة بهذه المدينة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *