حكاية قلب أطلسي

حكاية قلب أطلسي
بقلم: حفيظة مزوار

أتذكر لحظة كنت فيها مراقبة أتفحص ما حولي كأنني كنت أبحث عن الأمل الذي يبقيهم متمسكين بالحياة في هذه الظروف القاسية، نظرت يمينا يسارا، وسألني صوت داخلي، هل يعرف أحدا منهم معنى الموت منسيا داخل حفرة معزولة كأنك لم تكن يوما ؟ وهل شكل الموت هنا يشبه شكل الموت في المدن؟

هل يخيفهم الموت أساسا، ما أقصى ما يمكن أن يرهبهم في ظل هذه القساوة ؟

” كاين مغرب آخر فالداخل ، المغرب لي كنعرفوه كلنا كيعيشو فيه، ناس منسيون، أطفال ما كيعرفو على الحياة والو، من غير فدادن ديال البطاطا، و البصلة، أقسى الأماني ديالهم، لقاو حطب باش ادفاو به، و ماء نقي يشربوه، هنا كيتزوجو وهما أصلا ماعندهم والو، و كيولدو بزاف لأنهم كيظنو، و كيأمنو أن الوليدات كايجيو برزقهم، هادو ما كنعرفو عليهم والو، من غير أنهم منسيون، و كنتخباو كلنا وراء و انا مالي واش أنا لي غادي نغير القدر ديالهم ”

هنا لا مسالك و لا طرق، و لا عمل منصف، هنا الحياة حقيقية واضحة أكثر من الازم، مليئة بأسئلة لا أجوبة لها، بوجوه يسكنها الوجع، الانسان هنا يجبر على المضي في طريق لم يختره، على تحمل أكثر مما يسع وزر، مجبر على عيش سعادة مؤقتة في ظل واقع ينخر القلب حزنا .

أتذكر لحظة أخرى، فتاة تقبلني قائلة ” شكرا صاوبتيلي قسمي” تفحصت وجهها عانقتها قبلتها فقط، ولم أتفوه بكلمة، شعرت ببعض من الحياء، و صوت من داخلي يقول: نقولو قرات حتى للسادس أيه، و من بعد أين هو الإعدادي، و بعده الثانوي، الطريق بعيد . غالبا ما يكون مصيرها كأمها و جدتها، فلماذا تشكرني هذه البنت؟

الفتاة هنا تنضج قبل الأوان، تتحمل مسؤولية تثقل الكاهل، ولا تملك أحقية الشعور بالتعب، الاستيقاظ من الصباح الباكر، و جمع الحطب، و رعاية الأبناء، الاشتغال في الحقل، تلبية رغبات العائلة، و رعاية الزوج، جلب الماء الطبخ، التنظيف، و رعي الماشية إن وجدت، فلا حق لك في الحلم هنا، فهل غلب التطبع الطبيعة في قدرهن كنساء ؟

هنا حيث الناس صدورهم مَلْئَ بالحكايات، ونظراتهم على هيئة أهات، هنا حيث يفقد ويفتقد الانسان ما يحتاجه ليكون عاديا هنا في أعمق نقطة في الأطلس المتوسط، جددت نظرتي للحياة، أدركت معنى أن يكون الدين معنوي، معنى أن يتحمل الانسان قسوة الحياة كلها بكلمة حَنُون أو فنجان شاي .

بعد خوضك لتجربة حياة كهذه، تظن أنك شفيت منها بعد مغادرتك لذاك “الدوار ” ببضعة أيام، و تطلب منها عدم إصدار أي ألم، و تصدق أنك تركت الوجه حيث هو هناك، و لكنك عشت الحكاية بقلبك، لذا بمجرد خوض غمار تجربة مشابهة على حين غرة، ينفجر داخلك كل شيء معلنا أنه لا فائدة من التجاهل، و بروتوكول التناسي لا يفيد، يتوجب عليك فعل شيء ما .

بعد هذه التجربة، أدركت أن ما يجعلك إنسان ليس أدوار البطولة و الإنجازات، و إنما العطف، أدركت أنه بما أن القدر منحني فرصة لعيش حياة عادية، يحق لي فيها أن أحلم و أسعى لتحقيق طموحاتي، فمن واجبي، أن أمد يدي لأشخاص آخرين يعيشون ظروف صعبة، و يتمنوا أن يتم منحهم نفس الفرصة التي منحني إياها القدر .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *