لوحة بعنوان: حكومة أبريل

لوحة بعنوان: حكومة أبريل

"الأعمى، يتبعه أعمى، يمسك بعصا يمسكها أعمى، يضع يديه على كتفي أعمى.. الكل تعثر وسيسقط حتما في الحفرة.." إنها لوحة العميان الستة للفنان بيتر بروجل الأكبر، آخر أصحاب الرؤية كما يصفونه أهل هذا الفن، يصفها عبد الغفار مكاوي في كتابه قصيدة وصورة

عميان بروجل الستة يذكرون بالأحزاب الست لحكومة السيد العثماني -الوصفة السحر كما يلقبون أهل هذا الفن كل حكومة ائتلافية، كل تركيبة هجينة
1.العدالة والتنمية:المصباح
2.الاتحاد الاشتراكي:الوردة 
3.التجمع الوطني للأحرار:الحمامة
4.الاتحاد الدستوري:الحصان 
5.الحركة الشعبية:السنبلة
6.التقدم والإشتراكية:الكتاب

تخيل معي، -أيها القاريء وأيها المتابع من قريب أو من بعيد- ، لو رصت في لوحة هذه الرموز، وتأملناها مليّا هذه الشعارات التي شكلت أحزابها هذه الحكومة 33 وجدنا: منها الذي يطير، ومنها الذي يمشي على أربع، ومنها الذي يمشي على بطنه(اللامنتمي)، ومنها الذي ينبت، ومنها الجماد ومنها المصنوع.. ورأيناها هذه اللوحة كباقة رائعة بشكل أخاذ بألوان راقية براقة لكن المضمون باطل الأباطيل و قبض الريح كما يقال، تراه هذا الباطل يسبح في دخان من ضباب كثيف إذا أخرج أحدا يدا فيه لا يكاد يراها.. إنها لوحة ككتاب فيه ما فيه

مفعمة تبدو هذه الرموز بالقوة والعطاء

فالحصان صديق.. وما من حيوان يعدل الحصان فروسية و صبرا وتحملا وأصالة لكن الحصان الحيوان وليس الإنسان الذي يتخذ الحصان كرمز

والحمامة طير السلام بامتياز.. والسلام الله والله الحق وما بعد الحق إلا الضلال.. لكن أين السلام مع أهل الحمام هؤلاء

والوردة ذلك الجمال الرباني، غزل الشعراء من زمان وحتى الآن.. لكن من يلبسها شعارا نراه بالليل والنهار ما قدم شيئا إلا الشوك لهذا الوطن ولايزال، ولايزال

السنبلة خير وخبز وبركة وزاد، لكن ليس وهي بيد حزب السنابل اليابسات

والكتاب معرفة وثقافة وعلم ومدارس، والكتاب حضارة، والكتاب ذوق ورقي وما خفي أرقى.. لكن أين هذا فيمن يلوذ بالكتاب كشعار، كشعار فقط

والمصباح نور يهدي السبيل وضياء ينير الطريق.. لكننا ما رأينا حامله إلا أظلمها وظلم وأفقر بسياساته الواهية السقيمة الشعب المهضوم الحق فزاد الطينة بلات، لأن هذا الشعب كان ولايزال و على الدوام مهضوم الحقوق، فقير الكرامة

أرأيتم كم ملأى بالقوة والعطاء والنور لكن أنى لمن يمثلها القوة والعطاء، ومن أين له الحب الحقيقي لهذا البلد الذي أضحى كمجاز على الخريطة في ظل حكومات متشابهة كالتوائم، الواحدة تنسيك الأخرى لا في جمالها بل في خبالها وضحكها على ذقون الشعب المغبون في الصحة والتعليم وفي الاقتصاد وفي الثقافة وفي الرياضة، وقد نقول في كل شيء وهلم جرا، والواقع يصدق ذلك كله ولا يكذبه البتة

الرموز شطآن في المعنى والأحزاب في الواقع شظايا أشياء أكل الزمان عليها وشرب وتتاءب وفك الحزام ونام

في الخلفية بلدنا الساحر جغرافية وتاريخا تؤثت حكومته رموز أحزابها تلمع لمعانا لكن أهلها يلبسها سواد كسواد ليل الشاعر الضليل امرؤ القيس

الحفرة في لوحة العميان هي القدر أو الموت حسب التأويل وحفرة الأحزاب هي الحكومة في بلاد الشعب المغيب والمعطل والقصر المشيد

ويبقى شكل الحكومة كعزف مجنون.. ومضمونها نغم باطل، فأنى لشعب بمثل هذه الحكومة الخواء أن تقوم له قائمة أو يكون اللهم إلا في الأحلام أو في الأفلام وربما قد لا يقوم لسبب بسيط نجده فيما يقول المثل المغربي الدارج :" باك في الطريق طاح.. أجاب راه من الخيمة خارج مايل" أو هكذا يقول المثل

وإنه قد كتب فيما كتب:" الذي يمشي في النهار لا يتعثر لأنه يرى نور هذا العالم أما الذي يمشي في الليل فإنه يتعثر، لأن النور ليس فيه" وإنها حكومة ليل لأنها حطبت بليل ولو اتخذت المصباح -رمز النور- على رأسها كفنار، أو كعنوان هذه الحكومة الثلاث والثلاثين

الخلاصة: إنها لوحة تستحق أن تعلق في "متحف البراءة" للروائي التركي أورهان باموق لما تحمل رموزها من براءة الذمم.. 

 

بلاقيود بلاقيود بلاقيود بلاقيود

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *