لا كرامة لعربي في زمن الوهن -الجزر الثاني-

لا كرامة لعربي في زمن الوهن -الجزر الثاني-
بقلم : أحمد المعطاوي

4.
إني أذكر، والإعجاب يملؤني، تلك الأيام
التي كانت الكرامة تعمرها قلبا قلبا، ودربا
دربا، وقمة على بحر على سهل على صحراء
كان يعمرها الأمان والمجد والحرية والسلام
كان كل شعبي العربي، المسكين الآن،
بها يتغنى وفي ظل عرشها يستكين
وبكل جميل، بفضلها ورحمتها، يحتفي
كانت أيام.. وجاء في الآي “تلك الأيام نداولها”
فعسى نظرة من الرحمن ترأف بوطني العربي
فيبعث الشعب من رماده كعنقاء مغرب، يبغي
عيش الكرام كما كان، فالشعب لا يزال ينبوعا
لا ينضب كرامته، وكل شعب عزيزها لو أراد
أليس يروى “عزها تعزك” في المثل المغربي
.. ويبقى لا كرامة لعربي في زمن الوهن

5.
إني مهاجر إلى الكرامة، منذ اليوم، لنفترض..
هل أودع محبوباتي، أم أجلبهن معي إلى هناك؟
لا، فقط دع تمثلاتك الخائبات، وباطن خوفك وظاهره
وامتط صهوة الإرادة، وتعالى.. فالطريق إلى هناك
من هنا.. هنا: إقرأ.. وتجرأ.. واكدح.. وكافح
وتذكر: لا تقتل الباطل، بل أنشر بالحب الحق
فيزهق الباطل وتؤتى الكرامة حقك يا عربي
الطريق من هنا، ما هو بأحسن طريق، لكن يبقى
الطريق الوحيد الذي يفضي إلى فردوسي المفقود
.. ويبقى لا كرامة لعربي في زمن الوهن

6.
.. وأنا أمشي كشيخ هيمنجواي بلا زورق
ولا أفق أزرق، منحني القامة، صوب لاشيء أمشي
أبكي يصحبني، لحن فيروز “أعطني الناي وغن..”
حدث وطاف بي، برقة لا تقاوم، طيف الكرامة،
كحمامة بيضاء بجناحيها أزهار أمل، طيفها،
فقال: يا بني على لبني المسكوب فوق ثراك
من المحيط المغري إلى الخليج العربي.. لا تبكي،
وإن ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت الأيدي،
تذكر المثل الذي يحكي:” نهر جرى الماء فيه لابد
أن يعود إليه”، قلت: كيف..؟ وإنه السؤال المبكي.
قال: لا تحزن يا ولدي، فحبيبة العيون
-الكرامة- وإن كانت في قصرها المرصود،
تبقى في قلبها أنت الحبيب والمحبوب،
وإن في غيابها، سئمت تكاليف الحياة سأم
زهير، وتلاشى فيك دعاء الكروان العربي
فتمثل:” لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا”،
ويومئذ تفرح بنصر الله، فقط آمن ثم إستمر

وهكذا مزجت الكرامة ماءها بنبيذ الإيمان..

وأنا أمشي.. وأنا أمشي، ولحن مارسيل لبنان
كألف كوكب بسماء فكري مشع يدور، ويدور
لكن في غياب منتصب القامة أبقى أمشي،
أمشي.. ويبقى طيف الكرامة يزورني
ليس كحمى المتنبي فقط كان يزور بالليل
لكن كعبق طفولة طيفها دائم وظلها بقلبي
وعلى ناصية الانتظار، بجرأة وإرادة، سأنتظر
حتى يرحل هذا الوهن الوباء عن حماي المستباح،
وتسطع شمس الكرامة مرة أخرى، حين القدر يشاء
الكرامة: الحق والخير والجميل، كل لا ينفصل..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *