تركيا والغرب.. تعدد جبهات المواجهة

تركيا والغرب.. تعدد جبهات المواجهة

 

نشرت صحيفة “القدس العربي” مقالا حول حادثة توقيف 14 نائبا من حزب “الشعوب الديمقراطي” في تركيا وما شكّلته من تطور مهم يوسع الصراع بين السلطات التركيّة والأكراد الذي كان مقتصرا على حزب العمال الكردستاني، إلى جهة سياسية كردية ممثلة في البرلمان، وهو ما يعني فتح جبهة سياسية واسعة إضافة إلى الجرح العسكري والأمني المفتوح والذي يخلّف يوميا ضحايا كثر ليسوا من عناصر الحزب الكردي وأفراد الجيش والشرطة الأتراك فقط بل كذلك العديد من المدنيين الذين يسقطون على الجانبين.

وتشير الصحيفة إلى أن توقيف النواب جاء بعد رفع البرلمان التركي الحصانة عنهم ورفضهم المثول لأمر النائب العام باستدعائهم ومن ضمن النواب الأربعة عشر الذين أوقفوا حكمت المحكمة باعتقال 11 منهم بينهم رئيسا الحزب صلاح الدين دميرطاش وفيغان يوكساك داغ بتهم تشمل “الترويج لمنظمة بي كا كا” و”الاشادة بالجريمة والمجرمين” و”الانتساب لمنظمة إرهابية مسلحة”.

وتلفت الصحيفة إلى أن الاحتجاجات على الأحداث الأخيرة جاءت من عواصم غربية عديدة وكذلك من الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبت بإطلاق النواب المعتقلين. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واجه هذه الضغوط بالحديث عن ازدواجية الموقف الأوروبي الذي اعتبر حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” منظمة إرهابية، “إلا أن أوروبا الآن تقدم المأوى للإرهابيين بكل صراحة”.

وتنقل الصحيفة عن أردوغان قوله بأن المنظمة قتلت السنة الماضية 787 من قوات الأمن و312 مدنيا وجرحت أكثر من 4 آلاف عنصر أمني وألفي مدني، وأكّد أنه لن يعطي أي تنازلات “في محاربة الإرهاب” ذاكرا بين تلك المنظمات الإرهابية حزب الاتحاد الديمقراطي السوري “وحدات الحماية الشعبية”، وهما ذراعان سياسي وعسكري لـ”بي كا كا” في سوريا.

وترى الصحيفة بأن الإشكالية الكبرى في تعليل أردوغان للإجراءات التركية القاسية بحق النواب ليست في قانونيّتها ولكن في ثمنها السياسي الفادح الذي يعلن حربا مفتوحة لم تستطع السلطات التركية ربحها على مدى عقود ناهيك عن كونها تخوض في الوقت نفسه حرب إرهاب مفتوحة أخرى مع تنظيم “الدولة” الذي طالب زعيمه أتباعه قبل أيّام باستهداف صريح لتركيا والسعودية.

وتنوّه الصحيفة إلى المرارة التي عبّر عنها أردوغان من الموقف الغربي تقوم على أساس شديد الوضوح ففي الوقت الذي تجنّد فيه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها طيرانهم وقواعدهم العسكرية وتمويلهم وتسليحهم للقضاء على تنظيم “الدولة” بغضّ النظر عن كل التوازنات السياسية والاجتماعية والعسكرية القائمة في المنطقة، فإنها في المقابل تتجاهل تماما العمليات التي ينفذها حزب العمال الكردستاني والتي هي أكبر تأثيرا وشراسة من عمليات تنظيم “الدولة” وفوق ذلك فإنها كانت على مدى السنوات الماضية تنسّق بقوة مع أذرع هذا الحزب السورية إلى درجة شكّلت خطرا جسيما على حدود تركيا، وكانت محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة التي اتهم أتباع الداعية المقيم في أمريكا فتح الله غولن بتنفيذها، نقطة الغليان الحاسمة التي جعلت السلطات التركية تتأكد من أنها مهدّدة بشكل وجودي، وكان طبيعيا، أن ترى أن ذلك الخطر الجاثم ينسحب أيضا على وجود تركيا نفسها فكانت المحصّلة الطبيعية هي حماية خاصرتها المهدّدة مع روسيا للالتفات إلى التغيّرات الديمغرافية والسياسية الهائلة التي تجري على حدودها في العراق وسوريا.

وتبيّن الصحيفة بأن ما يحصل في تركيا تتحمّل السياسة الأمريكية والغربية الهائلة مسؤولية كبرى فيه، بسبب اشتغالها على تحجيم وإضعاف تركيا داخليا وخارجيا عبر رعاية الحركة الكرديّة المتواطئة مع النظام السوري لتحجيم الثورة المدعومة من أنقرة، وفوق هذه الأجندة الخطيرة فقد قامت

بتحميل تركيا العبء الاقتصادي الضخم للاجئين السوريين والعراقيين عبر منع تشكيل منطقة آمنة داخل سوريا ومطالبتها بمنعهم من الهجرة لأوروبا، وأخيرا بردود أفعالها الباردة -إن لم تكن متواطئة- من محاولة الانقلاب.

وتؤكّد الصحيفة بأن قتال تركيا على كافة الجبهات هو محاولة للجواب على القوى الكبرى التي حاولت أن تمتحن، مجدّدا، وبعد قرن من الحرب العالمية الأولى، قدرتها على الوجود، والجواب النهائي سيقرّره الأتراك وحدهم.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *