النجاح يقع مرتين.. مقدمة لم تنشر لديوان احورار.. على الحرف استوى

النجاح يقع مرتين.. مقدمة لم تنشر لديوان احورار.. على الحرف استوى

يقول أهل تنمية الذات: النجاح يقع مرتين، مرة في الذهن ومرة في الواقع، ومناسبة هذا المقبل، أقول إنه حضرني ما يقولون وأنا أخيرا أقلب صفحات ديواني الجديد (احورار.. على الحرف استوى) والذي خرج من بين فرث ودم شذرات تحكى تنويعات تنويعات على شكل منمنمات يحكي ظاهرها الحور الذي يجعل العيون مضرب المثل وباطنها عصير حياة كان أكلها الدائم من الكتب والناس، أكلها الدائم وظلها، (لنتذكر.. الحور: أن يشتد بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها ؛ وقيل : الحور شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد -لسان العرب-)

بعد بوحي الأول الموسوم”أغبط الماء” والذي رصع سماءه من بحور الخليل بحر المضارع كتفعيلة، وبوحي الثاني “بوجع أعانق المستحيل” الموشحة نصوصه بقصيدة النثر، روادتني فكرة نص واحد ككتاب، وبعد بأيام أشرقت الشذرة الأولى: عيناك.. مدينتان/بابل القديمة/ وروما الآن.. ثم غابت شمس الأمل لذلك النص الواحد ككتاب.. لكن الفكرة ظلت تسكن الذهن(لنتذكر: النجاح أولا يقع في الذهن) حتى بلغت كمال الفتوة فخرجت إلى الوجود، خرجت من قوة المادة إلى فعل الصور بالتعبير الأرسطي، جاءت.. كيف؟ لا أذكر إلا كما يذكر عاشق الورد ألوانه وأشكاله ولا يذكر أسماءه

وجاء النص.. جاء تباعا وأنا جد منفعل وفاعل في ضوء المقولة التي تروي: إذا تغيرت القراءة، تغيرت الكتابة. وتنقلت من كون إلى كون وأنا أعيش يلبسني أيامها الاحورار
-والذي هو الإبيضاض- كنت أتنقل أو بالأحرى أتنزه في كون الرواية -شهرزاد تحكي- الرحب، الرواية تلك المعرفة الجميلة التي تخاطب العقل والوجدان معًا، التي تقرأ أفكار وأحلام وطموحات الناس 
وفي كون كتب التصوف الأرحب، التصوف الذي تضيق به العبارة ويتسع به المعنى، التصوف الكشف والذوق، والذي يعرف ببذل المجهود والأنس بالمعبود، وبحفظ حواسك مع مراعاة أنفاسك
ثم في كون الفلسفة -والتي هي إبداع المفاهيم كما يقول جيل دولوز، والطريق المحصل لغاية الكمال الإنسانى كما جاء في أحد تعاريفها- كونها البهي
ثم في كون الشعر، وما أدراك ما الشعر، الكون الأبهى والأعلى والعسل المصفى،الشعر ذلك الإنسان الذي يسعى باللاشعور.. يحلم وهو مستيقظ بحسب تعريف شاعر ألمانيا الكبير نوفاليس، الشعر التجربة التي يعيشها الإنسان حين يتصور، الشعر التصور والتصوير والصورة، الشعر العزاء، والعزاء لا يموت.. أليس هكذا يقال؟

ويبقى الشاعر القاريء الذي يسكن سرير ذاتي الأخضر الجسر الذي يصل بين المقروء والمكتوب: المكتوب الحرف، والمكتوب القدر أليس تقول الآية الكريمة:” إنا كل شيء خلقناه بقدر”،  
القدر الذي بإذنه قيل -للخواطر والأفكار والانفعالات وأحلام اليقظة- كن فكان الاحورار..على الحرف استوى بهذا الشكل المتجانس كمحلول كيمياء من حرف على معنى على صدى المعنى، حتى إذا ما أصخت السمع بشغف أيها القاريء وجعلت له من فكرك وبعض روحك سماء، كان لك أرضا ونعم الأرض حتى يرضيك رضاء

ومن هنا بدأ، وما كان له أن ينقطع حبل الحديث ذي الاحورار وذي السرور وذي الجنون لولا أن اللوحة-إذا كان لي أن أعتبر هذا النص لوحة – لا تنتهي بل تترك كما يقول أهل هذا الفن، وإني كنت أود ما ود الراحل محمود درويش يوما حين غنى “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”، لا أريد لقصيدة احورار على الحرف استوى أن تنتهي..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *