
الصورة ل: للفنان فائق العبودي
بقلم : صلاح عباس فنان تشكيلي وناقد عراقي بغداد 1998
"إن صور الحياة الواقعية، ليست إلا نقطة بداية الفنان..وهي ليست كل الفن”
"جيروم ستولينتز"
فائق العبودي، واحد من الفنانين الشباب، وقد نشط في الآونة الأخيرة ورسم عدداً كبيراً من اللوحات الزيتية، ذات الاتجاه الواقعي، وعلى نحو مثير للدهشة، إن الموضوعات التي اشتغل عليها فائق العبودي، هي تلك اللمحات المجزوءة من البيئة العراقية، ولا سيما تلك التي تصور الجوانب الحياتية في المناطق الشعبية ، وما تحف بها من تفاصيل شتى، وهذا التوجه الفني الذي اشتغل عليه الكثير من الرسامين والفنانين،
ولكن الفارق هو في طرائق الاخراج النهائية للعمل الفني، وليست المهارات الأدائية البارعة وحدها هي التي تكفل تطور الفنان، وإنما هناك الكثير مما يمكن أن يؤول إلى تقدير القيم الجمالية التي يحفى بها النموذج الفني.
إن المرسومات ا لتي تحققت من بين خبرات فائق العبودي لم تكن ترديداً أميناً لموضوعات التجربة المعتادة وصورها، أي أن موضوعات,الأزقة, الشناشيل, الجدران الذاوية هي لا تشبه نموذجها الموجود خارج العمل،
إن نقطة الاختلاف هي في الطريقة المثلى التي يتم بموجبها تحرير الصورة النهائية للعمل الفني بما يفيد في السبق الابتكاري، واستثمار طاقة الخامات على نحو يجنبه السقوط في فخاخ الاتباعية، أو الالتجاء لتجارب الآخرين،
فالفنان فائق يهتم بقيمة الفنون قبل طبيعتها، وما صوره إلا إحياء للمحة المجتزأة من الواقع،
لوحة فنية من إنجاز الفنان التشكيلي العراقي بديار المهجر، فائق العبوي
إن السبب الذي دفع بالكثير ممن مارس الكتابة في التشكيل العراقي المعاصر لاهمال الاتجاهات الفنية ذات الملامح الواقعية هو الأداء المحاكاتي الفج دون أدنى قدر من
التغيير أو المفارقة، لكن في رسومات فائق العبودي نتلمس ذلك التعديل والتغيير في
المرئيات، بمعنى أن فائقا حرص كثيرا حتى يحاول اعادة ترتيب الصورة، من حيث
توزيع الكتل عليها، وإضفاء حركة للخطوط والألوان، واحتمالات الحذف والاضافة هنا وهناك،
إننا نشعر دائما بنوع من المتعة، ونحن نتعرف على الشيء المعين ، لكننا لا نشعر بذلك إلا إذا كنا نتعرف ونستدل من العمل الفني بوصفه كلاً متكاملاً، ولا الموضوع فحسب وحده هو الذي يستحوذ على انتباه المتلقي، بل أن هناك جاذبية العمل ذاته للحواس، وبنائه الشكلاني، ودلالته الانفعالية والتخيلية،
إذن يشترك في بنية العمل الفني النموذجي جملة من المقومات تشترك في آن معاً لابراز القيم الرفيعة في هذا النموذج، وكما يعترف أرسطو بذلك حين يقول :"إنك لو لم تكن قد شاهدت الأصل، فلن تكون اللذة راجعة إلى المحاكاة من حيث هي كذلك، وإنما إلى الأداء أو التلوين، أو أي سبب آخر.
ولنتوقف قليلاً عند طريقة الآداء الفني والتلوين لدى فائق العبودي، ففي البداية يتم استخلاص لمحة منتزعة من الواقع المرئي، كالشناشيل، أو البيوت الشعبية، في الأحياء الفقيرة، تحتفى فيها بكثير من التفاصيل، ولكن فائق العبودي ينتخب صورته المتشكلة على أسس جمالية فريدة، ثم يحاول استثمار خبراته، الفنية ، وتجاربه العديدة في ممارسة التلوين، لينتج في نهاية الأمر عملاً متسقاً يتداخل في تأليفه التجريب اللوني، مع الأنساق الشكلانية التي نعرفها، ونعرف دلالاتها، بمعنى آخر، إن فائقا يحاول المزاوجة بين الخامات، الفنية ، وتجاربه العديدة في ممارسة التلوين، لينتج في نهاية الأمر عملاً متسقاً يتداخل في تأليفه التجريب اللوني، مع الأنساق الشكلانية التي نعرفها، ونعرف دلالاتها، بمعنى آخر،
إن فائقا يحاول المزاوجة بين الخامات، وما تتصف به من خصائص، وبين الموضوع المنتخب لهذا الغرض، إننا نرى حركة الفرشاة، ونستطيع أن نتحسس ايقاعها، كما أننا ندرك جماليات الخطوط، ومدى تناغمها، كل ذلك يعود إلى الخبرات الشخصية المتميزة في ميدان التخطيط، والتلوين، لكننا نألف ذلك الدفق العاطفي وصدق التمثل أو التلبس بالمضمون، وليس ثمة ما هو أنبل وأبهى من العمل الصادق، وتمثل الأشياء بحميمية ،بلغتنا مرسوماته باعتبارها موافقات لونية متجانسة مشتقة من متدرجات الألوان البنية، كيف السبيل لمعرفة العمل الفني الصادق ومبلغ العاطفة التي يجيش بها؟ والجواب يأتينا دائما بأن العمل الفني هو نتاج حسي، وليس لدينا أي وحدة للقياس،