
الجزء 2 (التتمة)
جبراوي عبد الكريم
ودع الفرسان الثلاثة الشيخ في الصباح وساروا على الطريق التي أشار عليهم بها متوجهين نحو مكان الكنز، فاستوقفتهم شجرة اجتثت من جذورها وألقيت أمامهم لتقطع عليهم الطريق، حاولوا فهم ما جرى والالتفاف على المسار بالانحراف عنه قليلا فأمرهم صوت كالرعد جاءهم من أعلى بأن المكان محروس وبضرورة العودة من حيث أتوا، تتبعوا بأعينهم مصدر الصوت لتتراءى لهم ملامح جني مارد رجلاه في الأرض ورأسه في عنان السماء.
تشجع أحدهم وأخبر الجني بسبب تواجدهم بالمكان، وبرغبتهم في الوصول إلى الكنز دون قتال أحد ودون غش أو خداع والحصول على ما به من در وياقوت وجواهر وذهب، فتعجب الجني المارد من جرأتهم وصدق قولهم وأفادهم أنه ما من إنسي أو جان استطاع الوصول إلى الكنز، بل إن كل من حاول الاقتراب منه يلقى مصيرا سيئا مشؤوما على يديه، ولشدة إعجابه بشجاعة الفرسان الثلاثة وما أظهروه في كلامهم من نبل أخلاق أراد امتحانهم، خصوصا أنهم أقبلوا عليه في فترة الصباح التي يحب فيها الدعابة والمرح، وأخبرهم أنه سوف يمكنهم من حمل ما يستطيعون حمله من محتويات الكنز إن هم غلبوه في إحدى المسائل الثلاث التي سيقترحها عليهم، أما إن لم يستطيعوا فسوف يرميهم في إحدى الجزر النائية أو في الربع الخالي، فقبلوا التحدي وكلهم متحمسون له.
شرح لهم الجني المارد التحدي، بحيث يرمي كل واحد منهم بالتناوب شيئا ما مرة واحدة، وإذا التقفه الجني فالفارس قد خسر وإلا فقد فاز وصار الكنز بين يديهم جميعا، استسهلوا ما اقترحه الجني المارد، وحددوا لذلك موعدا بعد وجبة الغذاء التي استضافهم الجني إليها تحت أشجار التفاح والعنب والليمون، وقدم لهم فيها أشهى الطعام وألذ المشروبات.
وبعد أن أكلوا وشربوا واستراحوا بعض الوقت، طلب منهم الجني المارد البدء في التحدي، فتقدم الفارس الأول وأخذ سهمه وقوسه وأشعل النار في السهم ثم رماه مشتعلا إلى الأعلى يخترق الأجواء كالنجم الثاقب فقبض عليه الجني دون أن يقفز أو يتحرك من مكانه ونفخ عليه نارا من فمه فانطفأ وألقى به تجاه الوادي فأصاب ظبيا صغيرا كان يرعى على الضفة الأخرى من الوادي والفرسان ينظرون في تعجب واستغراب.
وتقدم الفارس الثاني وانتقى حصاة دقيقة جدا من الأرض، واعتلى صخرة عالية تطل على الوادي السحيق ثم رمى الحصاة غير أن الجني التقطها وجذب يده إليه ليريهم إياها في كفه التي بسطها كامتداد الحصير، وبلهجة التهكم أثار انتباههم إلى أنه سيكون الفائز في هذا التحدي وبالتالي سيرميهم إلى جزيرة نائية لا وحش فيها يسير ولا طائر يطير، وما يحملون معهم مما أتوا من أجله إلا خفي حنين،
لم يتبق إلا فارس واحد ولم تبق أمامهم إلا فرصة واحدة ووحيدة، فتقدم الثالث حتى إذا وقف منتصبا على ذات الصخرة العالية أخذ يتردد في الإقدام على خطوته المنتظرة في هذا التحدي الصعب، وهو يدرك أن ما سوف يقدم عليه سيكون إما عنوانا للنصر أو تكريسا للهزيمة التي أشر عليها الفارسان اللذان سبقاه، وفي هذه اللحظة صهل أحد خيولهم فأسرع الفارس وطلب من الجني طلاء صهيل الفرس باللون الأحمر، فبهت الجني وظل صامتا كأن على رأسه الطير ثم ما لبث أن رفع يديه اعترافا بخسارة الرهان.
علت الفرحة وجوه الفرسان الثلاثة، ونطوا وقفزوا وتعانقوا، فقد أتى الفرج من حيث لم يحتسبوا، وكان صهيل الفرس في اللحظة الحاسمة مثلما كانت سرعة بديهة الفارس الثالث رنين جرس الفوز والانتصار، أما الجني الذي ظل مطرقا برأسه فقد أشار بيده صوب صخرة تململت ليظهر مدخل دهليز مملوء بشتى أنواع الحلي والمجوهرات والأحجار الكريمة والذهب والمرجان، وأومأ إليهم بولوج الدهليز وحمل ما يستطيعون حمله قبل غروب الشمس.
هرع الفرسان الثلاثة إلى داخل الدهليز فحملوا ما استطاعوا حمله من محتويات الكنز الثمين، وركبوا خيولهم وودعوا الجني وهم يشكرونه على التزامه بالتحدي، أما الجني فقد هنأهم على جرأتهم وعلى ذكاء الفارس الثالث وسرعة بديهته، وأخبرهم أنه سيقوم على حمايتهم على طول الطريق التي ستوصلهم إلى بلادهم.