هذا هو الوطن الحقيقي

هذا هو الوطن الحقيقي
هشام بن الشاوي

كنت أعرفه أنه سيكون يوما مريضا مثل السي علال.. أن تبدأ صباحك برسالة صوتية: التلاميذ اللي عندهم السي علال ما يجيوش. السي علال مريض… فهذا ليس فألا حسنا أبدا، مع أننا كنا نفرح ونحن صغار بمرض المعلم، كما لو كنا مساجين سينعمون بقسط من الحرية.

حوالي الساعة العاشرة صباحا، سترى السي علال يجر دراجته الهوائية المتهالكة. يبدو حريصا عليها، كمن يريد الذهاب إلى مكة على متن حماره، وتصغيره في دارجتنا: الحمير ديالو، مع العلم أن أحدهم قال لي قبل سنوات: واش ضبرتي على شي مريكيب.. اعتقدت حينئذ أنه يقصد امتطاء حمار في المدينة، لكنه كان يقصد شيئا آخر، يتعلق بأربع سيقان متشابكة في برد الشتاء.

دعونا نعود إلى السي علال، لقد فكرت في أن أطمئن على صحته على طريقة البنائين: مالك آسي علال.. ما كاين باس. تقلقنا عليك. سيفطن إلى سخريتك.. ستصدك ملامحه المتجهمة، وربما يقول لك مستنكرا مثل جار فضولي يحب أن يعرف كل شيء عن الآخرين ويطوق حياته الخاصة بالمتاريس: شكون گال ليك أنا مريض؟!

رأيت السي علال يركب حصانه الهوائي، أو لنقل أنه مجرد حمير.. بضم الحاء، ويبيضر، يبيضر ويبيضر.. وكأنه ليس مريضا. المريض لا يغادر الفراش، ولا ينسخ شهادة طبية يضعها على مكتب المديرة ويعود إلى بيته وهو يبيضر، يبيضر ويبيضر.. دون أن يفكر في أن يخطئ يوما ما، ويبتسم كبقية البشر. أنت ستقضي صباحك في أن تقرأ بعض نصوص بسام حجار.

مزاجك الرديء في حاجة إلى لغة مفارقة، إلى صمت بسام الغفير… لن تبالي بالتهاني، فهي تخص شخصاً آخر لا تعرفه ولا يعرفك.. أنت تعرف السي علال فقط، مع أنك لا تتحدث معه، لكن السي علال سيبيضر، ويبيضر حتى يطارد التجهم يومك.

سترى حب الوطن الذي تتشدق به، حين يشهر أحدهم ورقة الضريبة في وجهك، لكي تستعيد صوابك وتعرف معنى الوطنية، وأنت لا تملك حتى عشر ذلك المبلغ.. السيد الجابي لا يملك قلبا، ولا يعترف بتدويناتك الأفلاطونية. السيد الجابي يقول لك: خلص.. ولا يهمه أنك صامد، رغم الغلاء، رغم حبال الفقر التي تطوق رقبتك. السيد الجابي بحاجة إلى المال، لكي يعوض مؤثرا تافها بسخاء على حضوره في برنامج تموله جيوب المواطنين المثقوبة.. ربما، هذا أحد أسباب (تغوبيشة) سي علال المزمنة. سي علال لا يستطيع أن يصرخ في وجه الوطن، لأن الوطن أب..

تذكر كيف بدأت يومك.. السي علال يصر على جعل هذا اليوم مريضا بالفعل، وليس مرض داليدا.. ذلك مرض فرنسي.. مرض فرنكفوني، وأنت رجل بسيط، مثل السي علال.. علما أن السي علال يدرس اللغة العربية، ومع ذلك لم تخبره أنك تكتب القصص أحياناً. السي علال لا يقرأ الجرائد. السي علال لا يحب القصص.. والقصص لا تستطيع أن تصفي حساباتك مع الجابي، ولا أن تدفع ديون البقال والصيدلية.. وربما – مثلك – لا يحب المؤثرين الذين هجوتهم تحت تدوينة صديق، وكتبت: ((إنه زمن النخا سة المقنعة، المرأة التي ترضى أن تنحني لكي تجلب المال ليست حرة!
خلينا ساكتين أحسن)) .

فيسبوك سيحتج، ويتهمك بانتهاك معايير المجتمع.. نعم، لأنك لم ترض أن يقال عن المرأة أنها مجرد مريكيب.. لأن الوطن ليس مباراة تخدير.. فيسبوك الذي ذكرك بيوم مولدك صباحاً، يوبخك مساء.. لأنك لا تريد أن تكون مدجنا، ومخصيا مثل الآخرين، ولكن السي علال مريض، وسيتغيب لمدة ثلاثة أيام عن المدرسة، ومع ذلك رأيته يبيضر ويبيضر، ويبيضر… حين كنا مراهقين، ضحكنا، حين نبهنا الأستاذ إلى أن الحب هو حب الوطن، حب الوالدين…كنا صغارا.. فكرنا في شيء واحد فقط. لم نفكر في ما سيفعل بنا الوطن.

شكراً لك أيها الوطن لأنك جعلت يومي مريضا مثل السي علال، لكنني لا أملك حمار ريح لكي أبيضر، أبيضر وأبيضر، ولا أملك دراجة نارية خاصة بالسباقات، أضعها فوق رصيف الجيران، وحين تنبه إلى أن ذلك لا يجوز، فأنت تبدو فضوليا، ومن يعنيه الأمر سيتملص من عتاب ذلك الشخص وأصدقاءه، حتى لو كانوا يعرقلون دخوله إلى بيته، وهم يحولون الرصيف إلى ما يشبه قاعة عرض دراجات لا يعرف أصحابها الوطن، ومع ذلك فالوطن يرفع القبعة لأمثال هؤلاء…!!!

  1. كلنا نُحبّ وطننا ، كمغاربة أحرار ، في وطننا وُلِدنا و فيه درسنا و فيه لعبنا صِغاراً و فيه ترعرعنا ، كل ذرّة من تُرابه مِلْك لنا ، لا يُمكن لنا أن نُفرِّط فيه ، نُدافع عنه بأموالنا و نفديه بأرواحنا حتى آخر مغربيّ حرّ .
    الوطن يُعطينا و يمنحنا كل شيء ، ثروات هائلة تأتي من باطن أرضه من مختلف أنواع المعادن و من بحاره الزاخرة بكل أنواع الحيتان و الرخويات .. إلّا أنّ غير الوطنيِّين من هذه البُقعة الطاهرة ، للأسف ، تنهب و تتنعَّم بكل هذه الخيرات التي منحها لنا وطننا العزيز .
    فمتى يتخلَّص الوطن من هؤلاء الذين لا يُراعون قدسيتَه و لا يُراعون مصالح أحراره ؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *