من يتحمل مسؤولية الشلل الذي تعرفه محاكم المملكة، و ضياع حقوق المتقاضين؟

من يتحمل مسؤولية الشلل الذي تعرفه محاكم المملكة، و ضياع حقوق المتقاضين؟

إبراهيم عقبة

بتاريخ 11 دجنبر 2021، صدرت دورية مشتركة بين وزير العدل، و الرئيس المنتدب للسلطة القضائية، و رئيس النيابة العامة، موجهة لكافة القضاة، والرؤساء الأولين ورؤساء المحاكم الابتدائية، و الوكلاء العامين ووكلاء الملك، ورؤساء المصالح بوزارة العدل، تحث على ضرورة التنفيذ الصارم لفرض جواز التلقيح لكل من يريد الولوج إلى المحاكم، و حثت الدورية المسؤولين القضائيين على منع كل من لا يدلي بجواز التلقيح من دخول المحاكم، ابتداء من تاريخ 20/12/2021…

تعالوا نناقش إصدار الدورية وما يعتريها من اختلالات جعلتها غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وأضرت بشكل كبير بحقوق المتقاضين، وبميزانية الخزينة العامة..

من الناحية الشكلية، ما كان لهذه الدورية أن تكون مشتركة، لأن توقيعها بين الثلاثي جعل الجميع يعتقد أنهم مشرعون، و الحقيقة أنهم لا يملكون سلطة التشريع، ولئن ادعوا أنهم ينفذون قرارا حكوميا على اعتبار أن الحكومة لها الحق أن تتخذ مثل هذه القرارات استنادا إلى حالة الطوارئ المعلنة، فيرد على ذلك، أنه كان على كل جهة أن تذكر موظفيها عبر مذكرة بشكل مستقل، دون توقيع ثلاثي.

ثم لماذا اعتبر وزير العدل أنه وصي على هيئات المحامين بالمغرب، فهم ليسوا موظفين يتقاضون أجورهم من الوزارة، و إنما هيئات مستقلة، ولايملك وزير العدل عليهم سلطانا، اللهم الإشراف على اجتياز المباراة؟

فكان حريا على القرار الثلاثي أن يكون رباعيا، بإضافة جمعية هيئات المحامين بالمغرب للتوقيع، لأن إقصاء مكون أساسي للعدالة من التوقيع، وفرض الوصاية عليهم، ـ هيئات المحامين ـ جعلهم يشعرون بالدونية، والإهانة، وأرسلوا رسالة قوية مفادها أنهم قادرون على شل حركة المحاكم و هو الحاصل حاليا؟

ثم ما السبيل إلى تطبيق تلك الدورية أو القرار؟ فمن سيراقب مثلا: الوكيل العام، ووكيل الملك ونوابهما، والرئيس الأول و القضاة.. هؤلاء لا أحد يستطيع أن يراقبهم أو يطلب منهم الجواز، لأنهم رؤساء على الأعوان الذين عهد إليهم بتنفيذ المهمة، و لأن الأدنى لا يمكنه مراقبة الأعلى منه؟ وهذا ما أثبتته واقعة الدار البيضاء، عندما “تنمرت” الشرطة على المحامين، و طالبتهم بإبراز جواز التلقيح، وعندما قدمت نائبة وكيل الملك فتحوا لها الباب، و لا أحد استطاع أن يطلب منها إبراز جواز التلقيح، ما جعل المحامين يصفقون على هذا السلوك؟

هناك عسكرة المحاكم بكتائب من الشرطة، و القوات المساعدة، وكأن الأمر يتعلق بهجوم من قبل الخارجين عن القانون، في حين، كان يكفي أن يكون مسؤولا قضائيا يتفحص جواز القضائيين، و هيئة المحامين تراقب المحامين، و كتابة الضبط تراقب موظفيها، والشرطة والقوات المساعدة يراقبون المرتفقين، لكن الذي حصل، جعل المحامين و الموظفين يشعرون بالإهانة و أنهم مستهدفون دون غيرهم؟

 ثم كيف يعقل أن يوقف ضابط نقيب المحامين وبالأحرى شرطي، أو حتى محام، ويطلب منه الإدلاء بجواز التلقيح؟ أليس المحامي يتمتع بالامتياز القضائي؟ فعلى فرض وقع شجار بين المحامي و الضابط، هل يمكن للشرطة أن تستمع للمحامي؟ فإذا كان غير ممكن، كيف يمكن أن يمنع شرطي أو ضابط محاميا من الدخول إلى المحكمة دون إبراز جواز التلقيح؟ الدورية شكلت حرجا كبيرا حتى للشرطة والقوات المساعدة؟

عسكرة المحاكم غير مقبول بتاتا، و إقصاء المحامين من قبل وزير العدل هو وصاية غير مقبولة، وإعطاء سلطة مراقبة جوازات التلقيح الخاصة بالمحامين للشرطة والقوات المساعدة غير مقبول مطلقا.. هذه الأشياء مجتمعة ـ أعتقد ـ أنها كانت كافية لجعل المحامين ينتفضون وينتصرون لكرامتهم، حتى لا تتكرر مستقبلا..

ثم تعالوا نلق نظرة عن طريقة إبراز الجواز، يكفي أن تبرز الجواز دون أن يكلف المراقب نفسه عناء قراءته، حتى وإن قرأه، ما الذي يؤكد له أن حامله هو صاحبه بدون إبراز البطاقة الوطنية؟ وحتى لو أدلى بالبطاقة الوطنية، فطباعة الجواز سهلة التزوير بدون وجود جهاز لقراءة جواز التلقيح؟ وبدون هذه الأشياء التي تجعل المراقب يتأكد من حقيقة أن حامل الجواز هو صاحبه، نبقى أمام قمة العبث، ومضيعة الوقت، وضياع حقوق المتقاضين، و عسكرة المحاكم دون طائل؟ هذه النقطة كافية للحكم على أن الدورية ولدت ميتة؟

ثم نأتي إلى وزير العدل، ومعه الحكومة، على مدى أسبوع من تعطيل المحاكم، كم ملايير ضاعت على خزينة الدولة من مداخيل المحاكم؟ أم أنها غير معنية بمداخيل الخزينة؟ ثم ما هو البديل الذي تملكه الحكومة، ومعها وزير العدل في ضياع ألاف القضايا للمتقاضين، و المرتفقين، والمسجونين القابعين في السجون، وكذا ألاف الأشخاص الموضوعين رهن تدابير الحراسة النظرية الذين يتم سوقهم دون حضور محامين يدافعون عنهم، وكذا المؤازرة أمام قاضي التحقيق، والتوقيف الكلي للقضايا الجنائية التي يعتبر فيها المحامي عنصرا أساسيا…

الوزير عندما يتعطل المرفق، ولا يملك له حلا، ولا يبحث له عن حل، عليه أن يعترف بفشله ويقدم الاستقالة فورا، لأن الحكومة في الأصل جاءت لتحل مشاكل المواطنين وليس من أجل تعميق مشاكلهم وعرقلتها؟

مصالح المتقاضين والمرتفقين تضيع بالآلاف يوميا، وهناك قضاة يعتبرون الملفات جاهزة ويبثون فيها دون انتظار المحامي.. سؤال بسيط، يا وزير العدل، و يا أيها القضاة الذين يعتبرون الملفات جاهزة ويبثون فيها ويصرحون بتخلف المحامي… من المتضرر من هذا الإجراء الذي يشم منه رائحة “إنا عكسنا”، هل المحامي أم المتقاضي؟ فإذا كان المتقاضي هو المتضرر بدون شك، فهل دوركم أن تتفرجوا على المتقاضين وهم يجلدون في الجلسات وتضيع حقوقهم لأنهم لا يستطيعون إليها سبيلا؟ و يتم إجراء جلسات الحكم مع غياب المحامين بغض النظر عن الأسباب، أم يجب استحضار مصلحة المتقاضين، وتأجيل الملفات خاصة التي يكون من ورائها سلب حريات الأشخاص، أي الاعتقال، أو ضياع الحقوق؟

إن إعلان حالة الطوارئ، هي ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، ولأن إعلان حالة الطوارئ لا تعني تعطيل العمل بالدستور، ومادام الدستور لم يعطل أيها السادة، فإن على الحكومة متى أرادت أن تعلن عن قرار، يجب أن لا يتعارض مع النصوص الأخرى من الدستور، مادامت النصوص تتمتع بنفس القوة؟ فبأي حق يتم تغليب نص دستوري على آخر؟ وحيث أن جسد الشخص ملك له، واستنادا إلى فصول عديدة في الدستور، فلا تملك أي جهة من السلطة أن تفرض على أحد أن يفعل في جسده ما يخالف قناعته؟

حقيقة وزير العدل الحالي، أنه يرفض الاعتراف أنه لم يتبق من الوزارة التي يديرها إلا “الهيكل”، بعد استقلال القضاء، والنيابة العامة عن الوزارة، و يرى من منظوره أن المحامين هم الحائط القصير الذي يمكن القفز عليه ـ رغم تنكره لهذه المهنة التي ينتمي إليها ـ لكن هيئات المحامين بالمغرب لها رأي آخر، يطبقونه على طريقتهم، وقد نجحوا في شل المحاكم، وتبقى أنانية وزارة العدل والحكومة طاغية، و تضيع مصالح المتقاضين، أمام تفرج الحكومة ومعها وزارة العدل في غياب أي حل لحد الآن؟

فإذا كانت الحكومة ومعها وزارة العدل غير معنيان بالقضايا الأساسية للمتقاضين وضياع حقوقهم، فعلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن يراعي هذه الظرفية الحساسة، وذلك بِحثِّ القضاة بعدم النظر في الملفات خاصة التي يتعلق بها حق شخص مسجون، أو تقييد حرية الأشخاص، أو ضياع حقوق.. في انتظار حل المشاكل الحالية مع الوزارة، و رجوع المحامين للجلسات للدفاع عن موكليهم. نتمنى أن يكون ذلك قريبا.

ملاحظــــــــــة: هناك مسؤولون قضائيون ببعض المحاكم كانوا في المستوى، و تعاملوا مع الدورية بنوع من الحكمة ، فلا يمكن إلا توجيه الشكر لهم، لحرصهم على صيرورة المرفق دون تعطيله، واحترموا المحامين والموظفين بتواجدهم شخصيا أمام بوابة المحاكم.. وهؤلاء هو رجال القانون، لأن الدورية ليست “قرآنا” تطبق حرفيا، يجب أن تكون الملائمة؟؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *