ماهو دور المثقف في المجتمع؟

ماهو دور المثقف في المجتمع؟

محمد بونوار: كاتب مغربي مقيم بألمانيا

هناك مفاهيم خاطئة بخصوص الانسان المثقف، حيث يعتقد بل ويؤمن كثير من الناس أن المثقف هو من لديه شواهد عليا كثيرة، وله مكتبة غنية بالكتب والمجلدات منها الجديدة والنادرة، بمعنى آخر، يقرأ كثيرا ويجتهد في الاطلاع على الكتب والمجلات والمجلدات بدون كلل وبدون ملل ، لكنه رغم هذا الزخم من المعرفة والعلم، فهو لا ينتج ولو فكرة واحدة ، ولا يتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه، ولا يساهم في أي نهضة ثقافية، يلتزم الصمت طوال حياته، ولا يكلف نفسه مناقشة مواضيع الساعة، ولا يبدي موقفا سواء في القضايا الاجتماعية التي يعيشها، أو في القضايا الكبيرة التي تهم الوطن.

لا يآزر السياسة الوطنية في الثوابت، ولا يقاوم الغزو الثقافي ولا الهيمنة الاقتصادية، يعيش بين أحضان المواطنين، ولا يترجم تطلعاتهم ولا يكتب عن مشاكلهم، بخيل في كل ما يمس الوطن ، ولا يحرك ساكنا سواء كانت الامور تسير في الاتجاه الصحيح ، أو في الاتجاه الخاطئ.

هذا النوع من حاملي الشواهد العليا ليسوا بمثقفين رغم حصولهم على العلم الغزير والمعرفة الواسعة، لأن المتقف هو الانسان الذي لا تنام عينه على متابعة المجتمع بأكمله، ويقوم بترجمة الاحاسيس والمشاعر والحقائق الى كتابات، يستفيد منها المجتمع ويساهم في تنوير الرأي العام، يخلق التوازن بين الدولة والمجتمع ، يساهم في نشر الوعي وتغذية الفكر، ويشارك في بناء الحضارة .

المثقف هو من لديه دراية واٍلمام كبير بمجريات الامور ، وله خيال واسع وشاسع ، ولديه مستوى اٍدراك عال ومتنوع ، وله تصورات وله حلول وله اقتراحات وبدائل تعوض الانزلاقات والأخطاء التي تم ارتكابها في سياسات اقتصادية ، أو اجتماعية ، أو ثقافية ، أو تربوية.

المثقف عادة هو صمام الامان للحفاظ على القيم والدفاع عنها لأنها تشكل الهوية، والمثقف إذا لم تكن لديه غيرة على الوطن وعلى الهوية وعلى المجتمع الذي يعيش فيه، فلا يمكن تسجيله ضمن لائحة النخبة المثقفة.

العالم العربي مثلا، يزخر بهذا النوع من المثقفين الذين لا يكلفون أنفسهم المساهمة في القضايا الوطنية الكبيرة، طبعا هناك اٍكراهات يمكن تلخيصها في ضيق المساحة التي تمنحها الدول للمثقفين في الاعلام الوطني وهناك تهميش مقصود تمارسه بعض الدول حسب برامجها وحسب خططها، لكن هذا لا يمنع من تحرير مقالات للمساهمة في تنوير الرأي العام وتصحيح بعض المفاهيم في مجالات مختلفة.

هذا التهميش الذي تعاني منه النخبة المثقفة في العالم العربي، جاء جراء المبالغة في تقديم الاغاني والمسلسلات للجمهور أكثر مما هو لازم، وهذا الاختيار يعتبر في حد ذاته غير عادل ، وغير آمن لأنه يخلق مفارقات غير سوية في المجتمع ، حيث يتم الابتعاد عن القيم رويدا رويدا وذالك نظرا لغياب النخبة المثقفة والتي تلعب دور المرآة في المجتمع .

يمكن ملامسة هذا الواقع المر الذي يمر منه المثقف بشكل واضح في المجتمعات العربية، فحينما يلقي مغني كلمة صغيرة، يتهافث الاعلام بالعشرات من الميكروفونات لنقل الحدث وكأنه بطل، أو قائد مغوار، وحينما يلقي عالم، أو مثقف محاضرة، أو كلمة، تجد الاعلام ينقل الحدث بمكرفون واحد، أو اثنين، من هنا يظهر الفرق الشاسع بين الثقافة والغناء، ونفس المفارقة تتكرر عندما يتم تنظيم سهرة غنائية، ومحاضرة ثقافية.

بلغة بسيطة سياسة التهميش للنخبة المثقفة أعطت أكلها، وأنتجت جيلا يعشق الغناء والموسيقى، ويكره القراءة وسماع المحاضرات، وأنجبت أيضا أحزاب ضعيفة نظرا لتراجع التفاعل الثقافي في أوساط المجتمعات العربية.

وهو الامر الذي لا يبشر بالخير، لأن الأحزاب هي التي تساهم في تأطير أبناء الشعب وتعمل على تحسيسهم وتسليحهم حتى يكونوا في مستوى المرافعات والدفاع عن الوطن وعن المجتمع، علاوة على الاستئناس بطرح المداخلات وتسطير البرامج والتصورات، قصد معالجة الاعطاب، والدفاع عن الثوابث الوطنية، وعن القيم، والمساهمة في حماية المواطن من جميع أشكال الغزو.

و أخيرا، وبلغة بسيطة لا توجد حضارة بدون نخبة مثقفة، واٍذا وجدت أعني الحضارة فاٍنها تبقى غير مستقيمة وغير سليمة، وإصلاحها يتطلب سنوات عديدة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *