في المغرب.. لا تستغرب

في المغرب.. لا تستغرب
لبنى ياسين

لبنى ياسين

يتداول الأخوة المغاربة هذه المقولة بشكل واسع، للتعليق على أي شعور بالاستغراب يحسه القادمون إلى المغرب ممن هم ليسوا من المغاربة بطبيعة الحال، وللحق، فإنني وجدت في هذه المقولة وصفاً صحيحاً لبعض ما قد يمر به زائر المغرب.

فمثلاً، مررت عدة مرات أثناء سيري في الشارع بقطط مع صغارها، وبكلاب شاردة، ولم تنزعج تلك الأرواح اللطيفة من اقترابي منها، ولم تعوِ علي الكلاب، وهي تشعر بالأمان حتى وإن كانت في قارعة الطريق تعترض المارة، فإن كنت تريد أن تعرف مدى مسالمة، أو عدوانية شعب ما، انظر إلى حال الحيوانات الشاردة لديهم، سترى أنها تسلك سلوكهم ذاته، سلباً أو إيجاباً، وقد لفت انتباهي أن معظم الناس يطعمون تلك الحيوانات، ويسقونها، حتى أن بعض المحلات تضع “شوالا” من الطعام الجاف المخصص لهذه المخلوقات، فتمر الكلاب والقطط وتأكل وتمضي في طريقها.

وفي المغرب للنخلة قداستها، واقتلاعها جريمة يحاسب عليها القانون- ولو كانت في منتصف الطريق- ما لم يحصل المرء على موافقة رسمية.

وفي المغرب فقط، عليك أن تصطحب ” المالوكس المهضم” في جيبك أينما ذهبت، خاصة إن كان لديك زيارات متتالية، لأنك مهما حلفت وأقسمت بأنك تناولت الغداء للتو، وليس في وسعك أن تأكل لقمة واحدة، ستجد الموائد المعدة بأطايب الطعام بانتظارك، وستشتهي نفسك جراء تلك الروائح الطيبة، والأطباق الأنيقة شكلاً، والشهية مضموناً، وستستحي بعد كل هذه الجهود المبذولة أن تعتذر وألا تجامل ولو بلقمتين ليس لهما مكاناً في معدتك.

وفي المغرب فقط، ستجد أن مضيفك الذي دعاك، ولم يألُ جهدا في تقديم كل ما قد يخطر، وما لا يخطر في بالك لجعل إقامتك ممتعة، وفي ترك انطباعات رائعة عن بلده في قلبك، يعتذر عن التقصير الذي مهما حاولت إيجاده لن تجد له أثراً ولو مجهرياً، دون أن يدرك كم الامتنان الذي تحمله في قلبك لكل ما فعله لأجلك، أذكر في ذلك الاخ والصديق د. عبد السلام دخان الذي جعل أيامنا – أنا وزوجي الفنان التشكيلي فائق العبودي – لا تنسى، فعدنا محملين بالمحبة، والامتنان، والذكريات الجميلة.

في المغرب، رأينا تواضعاً جميلاً عند المغاربة، أصحاب الشهادات العليا، بثقافتهم الواسعة، وانجازاتهم الكبيرة،  حتى أنهم يُشعِرونك بأنك بين أفراد أسرتك، ولست في بلد غير بلدك، وهنا أذكر د. نور الدين العلوي، و د. مولاي علي الخامري، والشاعر إسماعيل زويرق و د. فطنة بندالي مثلاً، وغيرهم ممن لا مجال لذكرهم.

في المغرب ستقابل نساء مجتهدات، يسعين للتقدم والانجاز، ولا يوقفهن في ذلك عمر، ولا أمومة، كالصديقة ” جوهرة سوس”، والتي نالت الشهادة الثانوية، في أول أربعينياتها، وهي أم لعدة أطفال، ثم نالت بعدها إجازة في القانون، اخلاصاً منها لحلم أبيها الذي رحل دون أن يراه، ويراها وقد تحقق.

في المغرب أيضاً ستقطع “ليلّا خديجة” برنامجها اليومي المكتظ لتذهب بي إلى الحمام المغربي، فهي حريصة على خوضي لهذه التجربة، لأن المغاربة عموماً فخورون بثقافتهم، وعاداتهم، وأزيائهم، وبلدهم.

وستسمع “ليلّا شريفة” الأم المسنة الرائعة تدعو لك من كل قلبها، وتلاحق بناتها بالأوامر المتتابعة لتجهيز الطعام، والشاي، والحلوى، حرصاً منها على كرم الضيافة الذي هو سمة من سمات هذا الشعب الودود، رغم حالتها الصحية التي لا تسمح لها حتى بالوقوف.

وستفعل “ليلّا فتيحة” ما تستطيع لتعلمني – بدرس عملي وهي تطبق أمامي- كيف أطهو “الطاجين المغربي”، وكيف أجهز الأتاي على أصوله، بعد أن رأت أن اللهجة المحلية ستكون عائقاً بيننا في الشرح.

في المغرب ستجد الفتيات يرتدين الزي التقليدي بفخر، ويتحدثون عنه بمحبة وزهو، كما قد تتفاخر إحدانا بأن حقيبتها من “لوي فوتون”، دون أن تنتبه إلى الدلالة الاستعمارية التي وراء فخرها بدار الأزياء تلك، وتأتي” ليلا أمينة أشاوي” الفنانة الأمازيغية المعروفة – والتي يتسابق المغاربة لالتقاط صور معها- بأزياء تقليدية للأمازيغ مرة، وللمغاربة العرب مرة ثانية وتساعدني في ارتدائها، رغبة منها في تقديم التقاليد الأمازيغية والمغربية بشكل محبب، وجميل، لأعرف لاحقاً أن لديها خزانات للألبسة التقليدية بكل أشكالها في المنزل، وهي غالباً ما تُلبسها للفتيات في المهرجانات، كما فعلت في مهرجان سوس للأفلام القصيرة.

لا يرغب المغاربة بالهمبرغر، ولا يستسيغون “الكولا”، ولا يرون الجينز أنيقاً، إذ كيف يمكن أن تطغى تفاصيل حضارة لا تتجاوز المائة سنة في عمرها على حضارة عمرها آلاف السنين، حتى أن أول رواية في العالم كانت أمازيغية، فطاجينهم أشهى وأطيب، وشايهم “الأتاي” ألذ، وأكثر فائدة، وأزياءهم أجمل، وأكثر أناقة وتحضراً.

في المغرب ليس هناك تعصب لثقافة بعينها، فالأمازيغ، والعرب، يضعون انتمائهم للوطن قبل أي اعتبار أخر، وهم منفتحون بشكل واسع ليس على بعضهم فحسب، بل على كل الثقافات الإنسانية الأخرى.

والمغاربة يحبون بلدهم بشكل مختلف، ليس ذلك الحب المتعصب المتعالي، بل الحب الذي يجعل كبيرهم وصغيرهم حريصاً كل الحرص على أن يكون انطباعك عن بلده، وثقافاته، وطعامه، وأزيائه، وكل تفاصيله انطباعاً جميلاً لا ينسى.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *