فــــاطــــمة

فــــاطــــمة

هشام بن الشاوي 

أريد أن أكتب عن (فاطمة) لكن الدموع تعذبني؛  حساسيتي الموسمية تهتاج مثل قطط في موسم التزاوج…

هذه تدوينة قديمة،  تخلو من أية إشارة إلى فاطمة تالگاديت.. “جلادة الدموع”، بتعبير الصديق الشجي عبود الجابري.. فاطمة حارسة بوابة النشيج. فاطمة التي لا أحد يعرف أين تخفي مفاتيح البكاء؟ والتي تستطيع أن تحول – بمفردها- حزنا صغيرا إلى عاصفة من الدموع… 

فاطمة…

اسم  حرصت على أن يبقى نقيا مثل دمع العيد، في روايتي الممعنة في قذارتها : “سفر الأحزان”، لأنه اسم  يخفي الجنة تحت قدميه، لأنه – ببساطة-  اسم أمي.

عمتي الوحيدة اسمها فاطمة أيضا،  زوجتا إثنين من  أعمامي  اسمهما  فاطمة. إنه اسم شبه مقدس في العائلة، وأرجو أن يسامحنا الله عز وجل على أنني شاركت  زملائي الضحك في ذلك اليوم البعيد، البعيد كالفرح.. لأن اسم فاطمة أنقذنا من حصة تعذيب الإعراب على يدي أستاذة اللغة العربية في الصف الإعدادي، التي كانت تخرج  عن الموضوع دائما، فتطلب منا، في شبه إعجاز،  إعراب البيت التالي، لكن امرئ القيس أنقذنا  بكلمة يبدو أنه لم يكن يعرف أنها ذات مدلول جنسي في عاميتنا، لاسيما ونحن مراهقون قد نهيج ضحكا في حضرة أستاذة متجهمة على الدوام!

وحتى لا تدغدغ مشاعرنا أو تخدش مشاعرها،  أملت علينا الآنسة الدرس – حينئذ-  بسرعة، كمن يطارده حتفه.. 

فاطمة والدتي اعتادت أن تنهرني، كلما أهملت شاربي  وشوك لحيتي. كان شاربي يبدو لها  مثل شارب ذلك الفنان الشعبي، فتقول لي بقسوة حنون: “انقص من ذاك الموستاج، هو بحال ديال الستاتي”.

غالبا، كان يحدث ذلك في فصل الشتاء؛ فصل اكتئابي بامتياز.. لكن الاكتئاب  أقبل مبكرا هذا العام، يبدو أن هناك من وشى بضحكي  المغشوش هنا. جاء قبل أن يحتل شخص آخر مكانه في قلبي،  والشتاء بارد، ولن يفتح له أي أحد، أو يقبل أن يستضيفه بضعة أسابيع.

نسيت أن أشير إلى أن فاطمة روايتي، تحمل اسم جدتها، والجدات مخلوقات هاربات من الجنة،  جئن ليلقين نظرة على أحفادهن، يسكبن  بعض عطر السماء، بين أياديهم،  ثم يعدن  بسرعة إلى  الجنة، دون أن نلمح أجنحتهن الخفية…

هذا الصباح، وبسبب ذلك الشرخ العميق، الذي نحمله جميعاً في أعماقنا كنعش ثقيل، ثقيل كتاريخ انكساراتنا، والذي نتحايل عليه بعنتريات جوفاء، مثل البلاغة العربية المتخشبة، التي خذلتنا، وهي تترجم إلى محاكم تفتيش معاصرة، بدل أن ترثي  استشهاد العروبة، بفضل صحافية فلسطينية مسيحية.

لقد حاولت الخروج من ذلك المأتم الشاسع؛  فلا فائدة من محاولة هجر عالمي الأدبي الأثير(الكتابة عن المرأة)، حتى لا يتزحلق بعض الرعاع تحت كتاباتي مرة أخرى، وهم لا يجيدون كتابة جملة مفيدة يتيمة.

حاولت  تجاوز يومين من الانكسار بمطاردة لحظة بهجة هاربة، وكما يحدث عادة في مصادفات السيناريوهات المفتعلة، وجدت مقطعا طريفا لرجل لا يقل طرافة عن هذا الواقع العربي، يمتطي صهوة حصان ريح مدجج بعجلة يتيمة، وأحببت التصدق ببعض تلك البهجة الصباحية، عبر مراسلات خاصة، مع بعض الفواطم في سردابي الأزرق، لكن يحدث أحيانا، أن ترتطم بالغباء.. لماذا لا تصمت النساء؟ لماذا لا يلتهمن وجبة غبائهن وحدهن؟!

هكذا يمكن أن تكتب لك إحداهن محوقلة.  يا الله! هل سيبدأ يوم آخر من التفتيش في سراديب الروح، واختبار  درجة الإيمان؟! ستشرح للسيدة أنك لم تحاول الإساءة إلى فاطمة، أية فاطمة، وكل الفواطم،  وتقصفك تلك الفاطمة بعبارة: “لا إله إلا الله”.

ما العمل؟ ستلوذ بصمتك الصاخب، وستتلصص على واجهة ملف التعريف، وتختار كخطوة أولى إلغاء صداقة فاطمة، لا تريد أن تكره اسما غاليا  بسببها، أنت الذي ما زلت تفتش – مخدرا بقسوة الحنين- عن ملامح تشبه ملامح رجال قريتك في وجوه الآخرين، لكن ابنة بلدتك لن يهمها كل هذا النحيب. هي محظوظة حتما، لأنها لم تصافحه  في نصوصك.

امرأة فقيرة الموهبة والجمال مثلها ستعتقد أنك تحاول أن تتحرش بها،  في صبيحة سبت منذور  مساؤه للمباهج، ما ظهر منها وما بطن، فتكتب لك: 

(ليس من حقك مشاركة شريط مماثل مع سيدة متزوجة هذا من جهة. و من جهة ثانية حتى ان كانت غير متزوجة  يجب ان تربطك علاقة اخوة حتى تشاركها الشريط.  للأسف اخي الكريم كل القيم تلاشت).

انتهى الغباء، غباء لا يليق بأية فاطمة… لكن،  النزيف لم يتوقف، رغم نعمة الحظر، لأن اسم فاطمة ينوح في خلاء دواخلي، مثل ذئب عالق في شرك صياد أعمى!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *