“رجع الصدى” تمر وبيسكويت وزوبعة

“رجع الصدى” تمر وبيسكويت وزوبعة

عبد الكريم جبراوي

لكل حدث وقائعه وتجلياته، ولكل حدث تبعاته ونتائجه، كما لكل مستجد تحمله الأخبار من هنا أو هناك نسيج من الحديث يتردد، وعند هذا التردد يتولد صدى الخبر، فيكون رجع الصدى نتيجة لخبر الحدث…            

في لحظة من لحظات الزمن الذي يعجز فيه الدور التربوي للمؤسسة التعليمية، يتدخل العنصر الأمني ليمارس الصلاحيات التي خولها له القانون اعتمادا على شكاية واردة عليه ـ للأسف الشديد ـ من مؤسسة تربوية في مواجهة أربعة متعلمين صغار تتراوح أعمارهم بين 11 و12 سنة، حول” اختفاء قطع من البسكويت (بيمو) وبعض من التمر من مطعم المؤسسة، ظاهرها “اختفاء” وباطنها “تهمة ” بالسرقة، حيث أفادت الأخبار المتداولة استماع الدرك الملكي بقلعة السراغنة صباح الاحد8 ماي الجاري، لأربعة تلاميذ يتابعون دراستهم بالمستوى السادس ابتدائي بمجموعة مدارس اولاد بوكرين على خلفية الشكاية المقدمة بحضور أولياء أمورهم، قبل أن تتدخل المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بقلعة السراغنة ويتقرر التنازل عن الشكاية.

لا أحد يمكنه وصف الواقعة خارج نطاق الجنحة المحددة في السرقة طبقا للقوانين الجاري بها العمل، ولا أحد ينكر ضرورة التأديب والعقاب إزاء الفعل المرتكب في حق مواد غذائية تشكل مالا عاما يتوجب الحفاظ عليه وصيانته وحمايته من كل أشكال الاختلاس أو السرقة، غير أن طبيعة الفعل هذا تحكمها عوامل لابد من إبرازها:

الفعل استهدف بحسب ما أفادت وسائل الإعلام كمية قليلة جدا من مادة التمر قد لا تتجاوز بضع حفنات بحجم أيدي الصغار الذين أقدموا على ذلك، وقد لا يبلغ ثمنها ربما الـ40 درهما، وكمية من قطع البيسكويت تم حصرها في قطع قد لا يتجاوز ثمنها مجتمعة 10 دراهم، أي أن قيمة ما سرق قد لا يتعدى الـ50 درهما، وهو ما يعني أن ما سرق ليس له قيمة كبرى بالرغم من كونه لا يخرج عن نطاق جنحة السرقة التي يعاقب عليها القانون أيا كانت قيمة المسروق.

والفعل قام به أطفال متمدرسون بذات المؤسسة التعليمية ولا يتجاوز سنهم الـ12 سنة، أي أنهم لا زالوا أطفالا صغارا قاصرين نعلم جيدا أن كل مادة غذائية تستهويهم وتغريهم، وبالتالي لا يمكن توقع ما يمكنهم فعله ولا ما يمكن أن يصدر عنهم ومنهم إزاء مغريات كل مادة غذائية.

والفعل حدث بمؤسسة تعليمية أدوارها الرئيسية تتحدد في التربية والتكوين، والتي من ضمنها جعل روادها من التلاميذ والمتعلمين يتشبعون بالسلوكات الجيدة، وتزويدهم بالكفايات التي ترقى بأخلاقهم ومعاملاتهم وتعاملهم مع بعضهم البعض ومع أطر التدريس والإدارة وإزاء مرافق المؤسسة وممتلكاتها، مثلما تزرع في عقولهم القيم المثلى التي تمهد لهم الاندماج الاجتماعي داخل مكونات المجتمع.    

إن لجوء المؤسسة التعليمية في مثل هذه الوضعية تحديدا يعطي انطباعا أوليا بأنها لم تستطع احتواء “جنحة” بالإمكان صياغة محاسبتها تربويا وإداريا، وتحيل إلى خلل ما تسبب في وصول يد المتعلمين المعنيين إلى التمر و “البيسكويت” المخصص أصلا للتلاميذ ضمن وجبات الإطعام المدرسي التي تدخل كباب من أبواب الدعم الاجتماعي التي تنهجها الوزارة الوصية من أجل محاربة الهدر المدرسي في المقام الأول، وهو ما يمكن أن يحدث – لا قدر الله- لتلاميذ وجدوا أنفسهم نتيجة تصرف متسرع في مكاتب الدرك الملكي لإنجاز محاضر استنطاق دون إغفال حالتهم النفسية وخوفهم وهلعهم كأطفال صغار وكأبناء من الوسط القروي.   

ولعل الأسئلة التي تحتاج إلى عناصر إجابة فيها عمل متكامل تقتضي البحث في طريقة وصول التلاميذ الى ما تمت ” سرقته” ومكان تواجده وتخزينه، إذ يفترض أن تكون تلك المواد مؤمنة داخل مخزن يتوفر على كل شروط التخزين الصحية، وفيم إذا كان ذات المخزن مغلقا، وهل تم تكسير الأقفال أو فتح الباب بعنف وبأية وسيلة أو أداة.                                                                                                   

لقد كان الأولى حصر صك الاتهام، وتحديد لائحة المتهمين، واستدعاء آبائهم وأولياء أمورهم وعقد جلسة استماع لاستجلاء ما حدث ثم اتخاذ الإجراءات التأديبية في حق من تثبت الإدانة في حقهم مع التزام آباء الفاعلين لتعويض ما ضاع بفعل “السرقة”، وأيضا بعدم تكرارهم لمثل ذلك الفعل تحت طائلة اللجوء إلى المساطر القضائية، تفعيلا لمبدإ تجسيد كون المؤسسة مؤسسة للتربية قبل كل شيء.

وكان أولى أن تتحرك ما يصطلح عليها بـ” مصلحة المنازعات والشؤون القانونية” و” مصلحة الشؤون التربوية” على صعيد المديرية الإقليمية التي تقع المؤسسة التعليمية المعنية في دائرة نفوذها الترابي، انطلاقا من كونها ذات الاختصاص في المعالجة الأولية لمثل هاته الظواهر اللاتربوية وخصوصا ما قام به تلاميذ هاته المؤسسة وحجم ما قاموا به..

 وانطلاقا من كون الأدوار الحقيقية للمؤسسة التعليمية التي لا يمكن أن تلجأ إلى سلطات أخرى إلا في حال كانت الجنحة أو الجرم يستدعي ذلك ويتعدى نطاق مرتفقي المؤسسة لا سيما من الصغار الذين لو كانت دروس مسبقة تحسيسية وتوعوية تتناول مواضيع جنحية أو جرمية مشابهة أو تقريبية ما كانوا ليتطاولوا على شيء وبالتالي ما كان للزوبعة أن يتمدد غبارها وينتشر.  Jabraoui2013@yahoo.com

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *