تقرير حول متابعة حامي الدين، جهات نافذة تريد تصفية الحسابات عن طريق استعمال القضاء

تقرير حول متابعة حامي الدين، جهات نافذة تريد تصفية الحسابات عن طريق استعمال القضاء

عن القدس العربي: تتواصل ردود الفعل على قرار قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف قي فاس، متابعة عبد العالي حامي الدين، القيادي بحزب العدالة والتنمية- الحزب الرئيسي في الحكومة المغربية- بالمساهمة في القتل العمد وإحالته إلى محكمة الجنايات على خلفية مقتل الطالب اليساري بنعيسى آيت الجيد في مواجهات دموية شهدتها جامعة فاس سنة 1993.

وإذا كان هذا القرار يكشف عن حساسية بين حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، وجهات فاعلة في صناعة القرار، وسينعكس على الوضع الحكومي، فإنه يشكل امتحاناً صعباً للحزب الذي يقود الحكومة منذ 2011، وإن كان قد حقق انتصارات انتخابية 2015 و2016، إلا أنه عرف تضعضعاً داخلياً وتراجعاً في شعبيته منذ قرار إعفاء زعيمه عبد الإله بن كيران من رئاسة الحكومة والحؤول دون عودته للأمانة العامة للحزب واختيار الدكتور سعد الدين العثماني رئيسًا للحكومة وأميناً عاماً للحزب. وهذا خلق تململاً بالحزب وتبايناً في أوساطه وبروز ما أطلق عليه “تيار الاستوزار” ما هدد وحدة الحزب، وإن كانت بنياته وطبيعته التنظيمية حالت دون انشقاقات أو انقسامات في صفوفه مع استمرار التململ والعزوف السياسي.

وفي أول تفاعل له مع القرار القاضي بإعادة متابعته في قضية آيت الجيد، عبر عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب المصباح، عن اطمئنانه لعدالة قضيته، مستشهداً بوصايا والده. وتطرق حامي الدين، بشكل غير مباشر، إلى قضيته، أمس الخميس، في تدوينة على حسابه في فيسبوك، مؤكداً أن والده كان كثيراً ما يذكره بالآية القرآنية “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”، كلما اشتكى إليه أمراً من أمور الدنيا.

الأوساط الحزبية قالت : إن تداعيات أزمة حامي الدين أعطت إشارات لعودة اللحمة الداخلية للحزب وتماسكه، لما لمسته مختلف مكوناته من أنها استهداف لحزب وليس لشخص أو تيار. وتصريحات مصطفى الرميد، عضو الأمانة العامة لحزب ووزير حقوق الإنسان، التي حملت انتقادات واسعة وعبارات تنديد قوية للقرار القاضي واختيار الرميد رئيسًا للجنة التتبع، هي رسالة للمعنيين بأن الحزب موحد ولديه القابلية للمواجهة حتى لو أدت إلى الخروج من الحكومة، وإن كان هذا التوجه لم يناقش علناً ورسمياً حتى الان.

وهاجم وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، قرار قاضي التحقيق معتبراً اجتهاده بمثابة خرق خطير لقاعدة قانونية أساسية يوجب المساءلة طبقاً لمقتضيات القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة. وقال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية السابق، عبد الإله بن كيران إن “موقفي هو موقف الأستاذ المصطفى الرميد من قضية متابعة حامي الدين” وأضاف رئيس الحكومة السابق: “إنني اتصلت بالرميد، وهنأته على هذا الموقف” وقالت حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي للحزب، إن قرار قاضي التحقيق “يعتبر مسًّا بمبدأ استقرار الأحكام القضائية واستمرارها، وتشويشاً على الجهود الحقوقية التي يبذلها المغرب في إصلاح منظومة العدالة” وساءل البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، الوزير الرميد عن تقييمه للوضع الحقوقي في البلد، “في ظل بعض المنزلقات القانونية التي تمس بمبدأ الحق في المحاكمة العادلة”

استغراب من فتح الملف

وبعد الأمانة العامة والفريق البرلماني وهيئة محامي الحزب وشبيبته، دخلت منظمة التجديد الطلابي، التي توصف بـ “الذراع الطلابية” للحزب على خط الأزمة وأعربت في بلاغ لها عن استغرابها من إعادة فتح ملف صدرت بشأنه أحكام قضائية نهائية، ضدا على المقتضيات الدستورية والقانونية والمواثيق الدولية ذات الصلة التي يعتبر المغرب طرفاً فيها، وعبرت عن تضامنها مع حامي الدين في هذه المهزلة غير المسبوقة ، وأن استهدافه إساءة بليغة للمغرب وردة صريحة على المكتسبات التي حققها في مجال حقوق الإنسان».

واعتبرت المنظمة أن متابعة حامي الدين من أجل المساهمة في القتل العمد في قضية الطالب اليساري بنعيسى آيت الجيد استمرار لسياسة استهداف رموز الصف الديمقراطي وتكميم الأصوات الحرة (معتقلي حراكي الريف وجرادة، الصحافي توفيق بوعشرين..) التي ما فتئت المنظمة أن أبدت تضامنها معها ووقوفها إلى جانبها في أكثر من مناسبة . ودعت مختلف الفعاليات المدنية والسياسية إلى فتح نقاش عمومي جاد ومسؤول حول استقلالية النيابة العامة، في أفق مراجعة شاملة لوضعها الحالي يُعاد معها تفعيل دور المؤسسة التشريعية في الرقابة على أعمالها.

وأكد حزب التقدم والاشتراكية، الحزب الشيوعي المغربي والمشارك بالحكومة، أن تعزيز المسار الحقوقي الذي سار على نهجه المغرب يستلزم الحرص على التقيد الصارم بمبادئ حقوقية كونية، من قبيل ضمان شروط المحاكمة العادلة وتحقيق الأمن القضائي، واستقرار المراكز القانونية للأفراد من خلال احترام مبادئ سبقية البت وقوة الشيء المقضي به، إلا إذا ظهرت عناصر ومعطيات جديدة يتعين الإخبار بها درءاً لكل تعسف أو شطط أو مساس بحقوق أساسية يضمنها الدستور.

واعتبرت منظمة “أفدي” الدولية لحقوق الإنسان إعادة محاكمة عبد العالي حامي الدين بعد 25 سنة عن صدور الحكم النهائي إجراء يضرب في مبدأ استقلال ونزاهة القضاء المغربي، مطالبة السلطات المغربية بالسهر على تحييد القضاء عن أي حسابات أخرى مع ضمان وحماية استقلاليته، وأوضحت أفدي قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنه لا يجوز تعريض أحد مجدداً للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقاً للقانون وللإجراءات الجنائية في كل بلد، وأن إعادة محاكمة رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان هو ضرب صارخ لمبدأ أساسي من مبادئ القضاء.

وقالت المنظمة في موقعها الرسمي على الإنترنت استغربنا في منظمة (فدي) الدولية لحقوق الإنسان من قرار إحالة ومتابعة المواطن المغربي عبد العلي حامي الدين على غرفة الجنايات في محكمة الاستئناف في مدينة فاس، بتهمة المشاركة في القتل العمد، رغم أنه سبق أن حوكم ابتدائياً في نفس القضية سنة 1993 وقضى عقوبة حبسية (سنتين)، وتمت تبرئته اسئنافياً، بل وتم جبر ضرره وتعويضه من طرف لجنة الإنصاف والمصالحة بعد ذلك، كما سبق للنيابة العامة أن دفعت بسبق البت في نفس القضية».

وتشن الوسائط الإعلامية المقربة من الجهات التي تدفع باتجاه التوتير بين المراجع العليا وحزب العدالة والتنمية، حملة إعلامية واسعة إلى جانب تحريك أطراف قضائية تستهدف مصطفى الرميد، بصفته الوزارية وزيراً لحقوق الإنسان، واعتبار تصريحه المتشدد تدخلاً بالقضاء الذي يدعو لاستقلاله، كما أنه يناهض واجب التحفظ كوزير.

وقال عبد الصمد الإدريسي، المحامي والقيادي في حزب العدالة والتنمية، رداً على تصريحات قضاة ووكلاء للملك ضد مصطفى الرميد: “يبدو أن السيد محمد عبد النبوي (رئيس النيابة العامة) أصبح مطالبًا بتنبيه الأستاذ حكيم الوردي نائب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، إلى التروي في التعليق على أمور لا علم له بتفاصيلها، وتجده إزاءها “يهرف بما لا يعرف” كما قالت العرب، وهذا يسقطه في “القذف” فيمن أراد أن يدافع عنه، فإذا كان الوردي يتحدث، نيابة عن جهة ما، فعلى تلك الجهة أن تضعه في صورة ما جرى حتى لا يبقى شارداً، وإذا كانت خرجاته من تلقاء نفسه، فليتم تنبيهه إلى أن كثرة الضوء تحرق.

وقالت أمينة ماء العينين، عضو البرلمان، إن «اقحام بعض القضاة في معركة ضد حزب سياسي فيه تقويض لأسس الدولة قبل أن يكون وهماً بالانتصار على حزب أو شخص، وإن أهم من محاولات التصفية السياسية الحفاظ على أسس دولة المؤسسات، والقضاة ملزمون دستورياً بالتجرد وواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية.

وأضافت أن اعتبار النقاش السياسي والتعليق على الأحكام القضائية والتفاعل معها تدخل في القضاء، وسيكون المغاربة جميعاً تقريباً (بما فيهم المتحاملون اليوم على حامي الدين) قد تدخلوا في القضاء وضغطوا عليه ليلة إصدار الأحكام الثقيلة على معتقلي حراك الريف. علماً أننا قلنا غير ما مرة – ومن داخل البرلمان- أن التعليق على أحكام القضاء لا يشكل تدخلاً فيه، وهو موقف مبدئي رافقنا في التفاعل مع محاكمات نشطاء حراك الريف وجرادة وبوعشرين وحامي الدين….

وقالت ماء العينين: لا يحتاج اليوم قضاة المملكة المحترمون إلى عقد ندوات صحافية دفاعاً عن استقلاليتهم، لأن هذه الاستقلالية تمارس في نطقهم بالأحكام وفق ضميرهم دون تدخل أو تلقي تعليمات أو خضوع للضغط، وقد دافعنا جميعاً عن استقلاليتهم غداة وضع القوانين التنظيمية.

الناشط الحقوقي اليساري، جواد بنعيسي، عبر عن موقفه المناصر لحامي الدين بغض النظر عن اختلاف مرجعياتنا الفكرية والسياسية. أشعر أن عبد العالي حامي الدين يتعرض للظلم، وأنا متضامن معه، واعتبر بنعيسي، في تدوينة له على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن التطورات الأخيرة، وما يتعرض له عبد العالي حامي الدين من تهديد غير مقبول لحريته، وتستفز قناعتي كمناضل ديمقراطي، وملكي لا يحتاج دروساً في التربية الوطنية من أي جهة كيفما كانت درجة قربها من مراكز السلطة والحكم.

وأضاف: إذا كان الأمر مجرد تكييف قانوني لقاضي التحقيق، المكلف بالملف، فإن الأمر قابل للنقاش، ويمكن تصحيحه دون حاجة إلى إقحام القضاة، وجمعياتهم في ندوات صحفية، ورهانات، وحسابات، قد تسيء إلى مسار تأهيل السلطة القضائية، واستقلاليتها الفعلية.

وأوضح بنعيسي أن استقلالية القضاء لا تعني إلغاء السياقات السياسية والاجتماعية والتعاقدات الكبرى كلحظة الإنصاف والمصالحة مثلاً، قائلاً: القاضي ابن بيئته، وليس من حقه أن يعيدنا إلى زمن قرر المغاربة طي صفحاته المؤلمة بشكل نهائي، وحذر من تصفية الحسابات السياسية، إذا كان الأمر يتعلق بتصفية حسابات سياسية، فسنكون أمام وضع خطير جداً، إذ إن كل الوسائل أصبحت متاحة: الحياة الشخصية، والتصفية المعنوية، وسلب الحرية، وتشتيت العائلة.. ناهيك عن الضرب بعرض الحائط كل الخطابات بخصوص الانتقال الديمقراطي، والمصالحة، ومسار الثقة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *