الثقافة الأمازيغية مجرد ثراء فكري أم قضية ومسألة

الثقافة الأمازيغية مجرد ثراء فكري أم قضية ومسألة
عبد اللطيف أحرشاو/ أستاذ التعليم الثانوي

عبد اللطيف أحرشاو/ أستاذ التعليم الثانوي

ما حدود إسهام الفاعل الرسمي في تكريس الثقافة الأمازيغية بالمجال المغربي؟  ينطلق تساؤلنا وتصورنا لهذا الموضوع من فكرة أساسية، وهي تفطن المجتمعات المعاصرة لأهمية الثقافة من موضوع للبحث والثراء الفكري والمعرفي إلى إدماجه ضمن اقتصادية بحثة، وهو ما يطلق عليه اليوم بمجتمع المعرفة أو بتصوب أدق اقتصاد المعرفة.

أدت هذه الازدواجية التي يكتنفها مفهوم الثقافة إلى ميلاد مفاهيم جديدة، من قبيل الهوية الثقافية، التنمية الثقافية حيث أن هذه المفاهيم الأخيرة تقتضي مزيدا من التمحيص والنقد والبحث، خاصة عند التعاطي مع ثقافات فرعية والتي اعتبرت من الثقافات الهامشية وغير العالمة، ولذلك فالتراث الأمازيغي يندرج في الاطار الثقافي الذي سبق ذكر، إذ أضحت العلاقة بين الثقافة الأمازيغية وبعديها “الهوياتي” والتنموي علاقة جدلية “متمفصلة” لا تقبل العزل والتجزيء.

ومن حيث هي كذلك، الأمازيغية كثقافة ومعطى أريد له من طرف الفاعل الرسمي أن يظل ضمن المجال المسكوت عنه لأنه بالنسبة للمركز يحيل على جدلية مؤسسة على عدم الثقة والاطمئنان، وهذه المعطيات تتغذى كثيرا من التاريخ وتجعل من مهمة تجسير العلاقة بين ثقافة المركز وثقافة الهامش صعبة جدا، بل ومستحيلة أمام التعاطي الأيديولوجي المركزي الراغب في استبعاد الهامش، وبالتالي استبعاد الثقافة الأمازيغية من الاهتمام الرسمي والمجتمعي في فترات معينة خصوصا ما بعد الاستقلال مباشرة إلى حدود التسعينات من القرن الماضي، وفي اعتبار هذا الموضوع هو مجرد ثراء فكري وليس بقضية أو مسألة.

ومن هنا فالأمر يطرح كيفية تعاطي الفاعل الرسمي مع الثقافة الأمازيغية بالمغرب تماشيا مع التحولات السريعة للعالم ويقتضي من المؤسسات والقنوات الرسمية تصحيح التمثل الخاطئ والنظرة التقليدية للثقافة الأمازيغية، عن طريق إيقاظ الوعي بخطورة العولمة على هوية المجال المغربي من خلال المحافظة على المكون الثقافي وضرورة تنميته وتعبئته كمورد أساسي ينطلق من خصوصيات محلية للمساهمة في بناء وخلق مقومات الوجود الإنساني المحلي في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والحقوقية والمعرفية، أي التخطيط العقلاني للمشهد الثقافي الأمازيغي وهندسته من قبل الفاعل الرسمي وتحويله إلى معلم هوياتي تنموي.

فالواقع أن الثقافة الأمازيغية ثقافة ذاتية المنشأ وخاصة بأجيال توارثوها عبر العصور، ومنذ آلاف السنين والتي يصعب على الباحث تتبع مراحل تطورها من خلال الكتابة لكن تستطيع تتبعها من جوانب أخرى، وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الثقافة الأمازيغية لم تكن مغلقة على نفسها، بل دائما ما كانت مفتوحة وساهمت في تشييد أركان الحضارات الأخرى، فالثقافة الأمازيغية هي شقين أحدهما خاص وهو الرصيد المتوارث والذي لا زال محافظ على أشكاله الثقافية (المعمار، الزخرفة، الوشم، واجهات المباني…) والثاني متطور لكن حافظ على طابعه الأمازيغي (اللغة، الأدب الشفوي، الرقص والغناء، التقاليد والأعراف…).

إن الاهتمام بوضعية الثقافة الأمازيغية في الفضاء الثقافي والاجتماعي بالمغرب وكيفية النظر والتعاطي معها على مستوى الخطاب الرسمي ما بعد الاستقلال وخصوصا تأثيرات الموروث الكولونيالي على هذه الثقافة في المراحل الأولى من الاستقلال، وأيضا كشأن شغل الفاعل الرسمي في المراحل الاحقة، أي من خلال خلخلة النظرة المتحكمة التي تصنف الثقافة الأمازيغية في خانة الشعبوية والفلكلورية الشفهية التي جعلها من قبل الفاعل الرسمي ليس فقط كلغة وثقافة، بل كخطاب له فاعلية ضمن امتداد تاريخي وعمق جغرافي كبير وشاسع في إطار المميزات التي تؤكد هذا الحضور وتزكي مقومات هذه الثقافة، ما يستدعي الخوض في موضوع الثقافة الأمازيغية من جه، فهو استحضار البعد الهوياتي لهذه الثقافة كسؤال انطولوجي يسعى للكشف عن ماهية الذات الأمازيغية وموقعها في الحضارة الإنسانية من خلال ما تبتكره من قيم وأفكار ومنتوجات وصنائع، وبالتالي إقرار هوية الذات الأمازيغية بما تنتجه وتساهم به في بناء الموروث المحلي والكوني، وكموضوع لا ينفصل عن موضوع الهوية الثقافية المغربية ككل، ومن جهة أخرى استحضار البعد التنموي للثقافة الأمازيغية كعنصر من عناصر التنمية الثقافية الشاملة التي تساهم في بناء الفرد والمجتمع، كل هذا ينسجم مع جعل الثقافة الأمازيغية في بعديها “الهوياتي” والتنموي من قبل الفاعل الرسمي ضرورة من ضرورات الحياة المعاصرة.

وبما أن للثقافة اليوم مكانة محورية في التنمية البشرية حيث لا يمكن لأحد أن يسقط الثقافة من هذا المسار فهي مشروعية كل سياسة جادة، فكما للثقافة مكان أساسي في قلب التنمية لها أيضا نفس الموضع بالنسبة للهوية وفي ترسيخ الخصوصيات المحلية، فالبعد “الهوياتي” ينشأ مع الانسان منذ البداية فيتأسس و “يتمأسس” ويتطور.

فالهوية نسق مفتوح متحرك ومتغير، كما أن الانفتاح على ثقافات أخرى هو موجة عنيفة في أصلها، ولتأطير هذا الانفتاح لا بد من الهندسة الثقافية وبهذه الاعتبارات فالهوية مثير قصدي، أخذ وعطاء والخصوصية الثقافية تأخذ معناها من وجود خصوصيات تضاهيها.

فالفاعل الرسمي مطالب بهندسة حقله الثقافي عن طريق التصورات والوظائف التي تنصب على موضوع أو مجال أو شيء بغرض بنائه أو إعادة بنائه وفق سيرورة نظرية وعملية منظمة ومتدرجة، تتوخى الترقية بالمناخ الثقافي الانساني في جوانبه المعرفية والعملية فلحفظ هذه الذاكرة والممتلك الجماعي باعتبار الأشياء توجد وتتقادم ويصيبها الوهن كان من الضرورة تدخل الفاعل الثقافي لتجديده وجعله حيا ولكن التجديد لا ينبغي أن يذهب في وجهة التشويه، بل أن يظل محافظا على أصالته والمرحلة الراهنة يطغى عليها التنافس الثقافي، وبالتالي مطلب القوة في الكيان الثقافي مطلب ملح وهو ما يسمى اليوم في اللغة بالتسويق الثقافي لأن الرموز الثقافية تؤخذ وتنتج وتعطى والمحافظة على المكونات الثقافية هو المحافظة عليها من التلاشي والموت والاندثار، أي عقلنة الحقل الثقافي وبهذا تكون الهندسة الثقافية ضرورة وشيء ملزم بحكم الوقائع والأحداث والممارسات الثقافية بشكل مجمل مختلف أنماط العيش الجماعي.

إن موضوع التراث الثقافي من المواضيع البالغة الأهمية فهو رهان المجتمع المغربي بكون المجتمع في أمس الحاجة لتدبير وهندسة شأنه الثقافي، ومواجهة التحديات المهددة له وإخراجه من مستنقع النظريات الاختزالية أو المعيارية لمسألة التنمية الثقافية وجعل البعد الثقافي مساير لكل التصورات والتطورات، وألا تكون هذه الأخيرة عائقا للمسار التنموي بالمنطقة.

فسؤال التراث والثقافة يروم إلى الوقوف على مدى تأثير المحددات الثقافية على التنمية، كون الشخصية الوطنية المغربية تتحدد بتراثها البالغ الخصوبة والتنوع، المادي وغير المادي وبتجذر مكوناتها الجهوية واللغوية والثقافية والمجالية ويتمثل غنى هذا التراث في أبعاده وتعبيراته كافة، هذا بالإضافة إلى أن الإحساس بالانتماء سيسهل المشاركة الجماهيرية في العملية التنموية، وربما ذلك يعود لتغلغل التراث الثقافي في “مخيال” وذهنية المجتمع المغربي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *