التاريخ المنسي بالمغرب (تاريخ أيت بعمران المنشود)

التاريخ المنسي بالمغرب (تاريخ أيت بعمران المنشود)

صالح مظيجي: متقاعد وفاعل جمعوي وباحث

قال تعالى في كتابه العزيز: ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ،” صدق الله العظيم

أيـت بعمران، اسم تحالف لمجموعة من القبائل بسوس، ومركزها الرئيسي سيدي إفني، ولها تاريخ   كفاحي وطني حافل بالشجاعة والشهامة والصمود، ومعارك بطولية  في تاريخ  جنوب المغرب مكتوب بدماء الشهداء في سجل النضال المغربي من أجل ضمان الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية للمملكة والثوابت الوطنية  والمقدسات الدينية.

مواجهة الاحتلال الإسباني.

بدأت المناوشات الإسبانية لشواطئ منطقة أيت بعمران منذ 1896 م، وكلما حاولت إسبانيا تزويد سكان المنطقة إما بالحبوب أو السلاح إلا وتثور ثائرة المجاهدين ليكونوا لهم بالمرصاد، وهكذا تم القضاء على مناوشات 1859/ 1909 /1913 /1932 /1934 /1957/1971 ؛ فمؤامرة 1932 التي أراد الإسبان من خلالها استغلال الجانب الديني ومركز أسرة الشيخ ماء العينين، إلا أن “الباعمرانيين” وضعوا الدفاع عن حوزة الوطن فوق كل اعتبار، لأن ظروف 1934 التي أبرزت ضعف “الباعمرانيين” أمام القوات الفرنسية المجهزة تجهيزا عصريا ـ بمساعدة بعض الخونة ـ، جعلت أعيان وشيوخ أيت بعمران يفضلون التفاوض… وخلال نفس السنة، نزل أول إسباني بالمنطقة الكولونيل (كباص) الذي حاول أن يظهر للبعمرانيين أن هذه المنطقة تعتبر ملكا لإسبانيا منذ اتفاقية تطوان عام 1859 (سانتكروز) لكنهم طرحوا عقد اتفاقية تسمى ( اتفاقية أمزدوغ) التي تلتزم بموجبها إسبانيا ب :

حماية البعمرانيين من غزو أجنبي.

عدم تدخل إسبانيا في شؤونهم الداخلية.

العمل بالإحكام وفق الشريعة الإسلامية.

إعفاء المواطنين من الضرائب والمكوس والخدمات الإجبارية.

مواجهة الاحتلال الفرنسي:

كانت أطماع فرنسا في قبائل أيت بعمران منذ اتفاقية الحماية عام 1912م بمساعدة بعض الخونة وعملاء وفرنسا، إلا أن المقاومة الشرسة وحنكت أيت بعمران في التصدي والصمود بأت محاولات فرنسا في الدخول والسيطرة بالفشل.

(1913/1916) هزيمة حيدة بن مايس بوادي (إكالفن)  والتي أعتبرت معركة حيدة ضربة قاضية حطمت معنويات فرنسا، إلا أن مطامع الفرنسين لم تنتهي بعد وبعدها  معركة تيزي التي توسط لها  القائد الكلاوي،  وبعد كفاح قوي تراجعت أمام مجاهدي أيت بعمران واتجهت نحو مدينة تيزنيت. وطموح الخونة والفرنسيين عادو الكرة في سنة 1934 م بالفرقة الرابعة من الجيش الفرنسي المتجه نحو السيطرة على المنطقة الجنوبية، والتقت بالمجاهدين الباعمرانيين من جديد في رقبة(تيزي) ولأول مرة استعمل العدو الطائرات والمدافع، التي قهرت قوى المجاهدين الذين ساندتهم صيحات إسبانيا ضد فرنسا، الشيء الذي أفرز إيقاف الحرب وعقد إتفاقية ثلاثاء لاخصاص، بين شيوخ قبائل ايت بعمران ،وملخص الاتفاقية كان كالتالي:   

  التزام المخزن فرنسا ب أن :

لا يدخل بلاد أيت باعمران، التي هي في المنطقة الإسبانية حسب الحدود التي ستعين في المستقبل.

التزام الباعمرانيين باحترام وثيقة الصلح فيما بينهم وبين المخزن والمصارفة معه بالإحسان.

التزام ايت باعمران بحفظ وسلامة المراكب البحرية والطائرات الفرنسية التي تقع في منطقتهم ، وتقديم يد المساعدة لمن هم فيها وإرجاع الجميع إلى المخزن بدون مقابل.

السماح لسكان المنطقتين بتبادل التجارة في أسواقهم ما عدا من هم ضد المخزن.

وبعد نفي محمد الخامس ـ رحمة الله عليه ـ عام 1953، تغيرت سياسة إسبانيا في المنطقة، وبدأت بوادر الانفراج تلوح أمام المجاهدين البعمرانيين الذي استغلوا هذا التحول في سياسة إسبانيا لفائدة المقاومة المغربية ككل  وعندما عاد المغفور له الملك محمد الخامس ـ رحمه الله ـ من المنفى، وأعلن عن استقلال المغرب، قام أهالي أيت باعمران بالرغم من ذلك بالتحضير للاحتفال بعيد العرش وبالعودة المظفرة للمغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه .

السلطات الاستعمارية الإسبانية واجهت هذه المحاولات بالقمع والتنكيل والنفي إلى جزر الخالدات. كل هذا ولد الضغط فتم التخطيط لانتفاضة أيت باعمران يوم 23 نونبر 1957 من طرف قيادات جيش التحرير مما أدى الى تأجيج المقاومة بمنطقة سيدي إفني التي أصبحت نقطة انطلاق عمليات هجومية متقنة على عدة مراكز ، فاندلعت عدة معارك كمعركة الرغيوة في 13 فبراير 1957 ليشن الباعمرانيون بعد ذلك انتفاضتهم الكبرى ضد الإسبان وفعلا تم تحرير تلك المراكز كلها منها استرجاع طرفاية (1958) ماعدا مدينة سيدي افني، حيث عرفت فيها جبال أيت بعمران معارك بطولية يشهد لها التاريخ بالمجد والخلود وذلك بالخطة المحكمة في تصريف تكتيكات حرب العصابات ضد الجيش النظامي الاسباني، ساهمت كلها في انحسار النفوذ الاسباني ليتمركز في سيدي افني وحدها التي عرفت نهجا جديدا في أسلوب التحرير، ومن الكفاح المسلح إلى أسلوب المفاوضات على مستوى المحافل الدولية ، وكانت إتفاقية  فاس نقطة نهاية الاستعمار الاسباني بمنطقة سيدي افني التي استقلت في 30 يونيو 1969.

مشاركة ومساهمة و تكريما للضيافة بالروح الوطنية العالية استقبلت القبائل الجنوبية  المشاركين عامة (350,000 مواطن ) في الحدث التاريخي   أكبر مسيرة سلمية  أبهرت العالم أعلن عليها المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه (المسيرة الخضراء سنة 1975م )  مكنت من تحرير الأقاليم الجنوبية للمملكة والتي وضعت حدا لنحو ثلاثة أرباع قرن من الاستعمار والاحتلال المرير لهذه الأقاليم وبالدبلوماسية  تحقق استكمال الجزء الأكبر من الوحدة الترابية المغربية ؛ بمشاركة وفود  من دول عربية وإفريقية ، والتي كانت نقطة الإنطلاق من مدينة طرفاية.

وبعد هذا الحدث، استمرت  قبائل أيت بعمران في الصمود والشهامة والإخلاص  بتنسيق محكم مع

السلطات المحلية المغربية يكافحون ويجاهدون ويحاربون مرتزقة “البوليزاريوا” الذين يتسللون

لخلق بلبلة، والاعتداء والقتل في بعض المناطق الجنوبية المغربية  ومنعهم بقيام أي حركة تمس كرامة المواطن المغربي أو الأجنبي عامة.

 وعلى نهج أسلافه المنعمين، شكل موضوع خطابات الملك محمد السادس نصره الله وأيده في عدة مناسبات ” حول التنمية السوسيو- اقتصادية والسياسية والثقافية بالأقاليم الجنوبية يجعل هذه الاقاليم أقطاب اقتصادية تتسم بالتنافسية، والتركيز على المشاريع الاستراتيجية البنيوية ذات القيمة المضافة العالية الهامة في مختلف الميادين، خاصة الصيد البحري والفلاحة والصناعة والتكوين المهني والبنيات التحتية والكفيلة بإدماج أبناء المنطقة في سوق الشغل، فضلا عن إبرازه لأهمية خلق جسور جديدة سواء مع شمال المملكة أو إفريقيا جنوب الصحراء.

ويبقى الوفاء والإخلاص  لقبائل أيت باعمران الصامدة وتشبثها بمغربيتها وهويتها وإخلاصها لروابط البيعة  معلمة بارزة في تاريخ الكفاح الوطني، وستظل شاهدة على تشبث أبناء هذه القبائل المكافحة بمقدسات الأمة المغربية، وتعلقهم الدائم بالعرش العلوي المجيد، وجهادهم الخالد لمواجهة قوات جيش الاحتلال الأجنبي التي كانت تهدف إلى تفكيك أواصر الوحدة وزرع التفرقة في كيان الأمة الموحدة

ما أكدوا عزمهم الكامل، على غرار كل مغاربة العالم، على المساهمة والمشاركة بحيوية في المسلسل التنموي الذي تشهده المملكة، تحت القيادة الحكيمة والرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. راجيا من كل مسؤول له غيرة على وطنه وسكانه الكرام  وحبه للخير ب:

إسراع في إصلاح وتجهيز الشبكة الطرقية  منها الرئيسية  طبقا للمعايير العامة  من جهة كلميم وادي نون، جهة العيون الساقية الحمراء إلى جهة الدّاخلة وَادي الذّهب   لضمان سلامة المسافرين والشاحنات الخاصة بالتمويل العام والعمل على اخراج هده المناطق من العزلة والاقصاء والتهميش ،وتبادل التجارة عامة بربوع المملكة .

القيام بتزويد بعض المناطق بالماء الصالح للشرب، ولو بإنجاز محطات لمعالجة وتعقيم وتنقية ماء البحر، والحمد لله هذه الجهات أصبحت تمتاز بالطاقة الشمسية البديلة،  تنفيذا وتطبيقا لمقتضيات التشريعات الوطنية الخاصة بالتنمية الشاملة المستدامة المندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا، منها مختلف المشاريع التي أعطيت انطلاقتها في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة بترسيخ قواعد  الحكامة الجيدة والديمقراطية الجهوية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *