الأيديولوجيا… كقمر اصطناعي!

الأيديولوجيا… كقمر اصطناعي!

بقلم/ الدكتور ميثاق بيات ألضيفي

“التحرر من الإيديولوجيات… تحول… إلى عبودية… لم يدركها الناس.. ولم يختاروها.. ولكنهم وجدوا أنفسهم فيها !!!”

يشير مفهوم “الأيديولوجية” كالفكرة والشعارات والمفهوم والتدريس إلى انظمة من وجهات النظر حول الواقع وطرق تطويره وفهمه والتحول من وجهة نظر الأفكار والأهداف والقيم والمثل العليا والمعايير التي اعتمدتها مختلف الجهات الفاعلة في الحياة الاجتماعية والثقافية الفردية والجماعية بما في ذلك المجموعات الإثنية والطبقية والمجتمع والدولة والحضارة ككل،

 كما يُشار إلى مفهوم “الأيديولوجية” تقليديًا بمجموعة أو انظمة من وجهات النظر والأفكار والأساطير والشعارات السياسية ووثائق سياسة الأحزاب والمفاهيم الفلسفية التي تعبر عن المواقف تجاه واقع معين ووجهات نظر ومصالح وأهداف الناس والطبقات، وعبر المواضيع السياسي،  فإن الأيديولوجية تأتي عن طريقة معينة من المعرفة وتكون أكثر دقة من واقع البناء الغريب وتكون موجهه نحو تحقيق المثل الأعلى وتجسيدًا لعدد من الأفكار المتعلقة بأفضل أشكال الوجود الاجتماعي، وهي موجودة دائمًا في المعرفة العلمية وليس فقط في العلوم الاجتماعية وإنما حتى أيضًا في العلوم الطبيعية والطبية والهندسية والقوانين التي اكتشفتها، وبدا الأمر موضوعيًا تمامًا ومختلطًا حول الأفكار الإيديولوجية والتاريخية والثقافية، والأهم من ذلك كله، فإن الكثير من المفكرين يرون أن الإيديولوجية هي ظاهرة العصر الجديد كنظام مصطنع للمواقف والقيم والمثل وطرق التحليل التاريخي والأهداف الاجتماعية الموضوعة،

وكانت قد نشأت جميع الإيديولوجيات المعروفة تقريبًا في العصر الجديد في ذروة العقلانية وترجع إلى الاعتقاد في إمكانية بناء “جنة أرضية” بمساعدة مشاريع عقلانية لتكون المثل الأعلى لكل نشاط بشري حيث أدت المثل العليا في تاريخ الدول دائمًا دورًا حاسمًا، وساعدت في بناء نظام رمزي وبنائي ومعياري في المجتمع من خلال تعريف غائي لترتيب الأهداف والوسائل الأعلى للمثل وطرق تحقيقها،

 ولذلك فإن فكرة الدولة أو مفهومها يتبين أنه لا ينفصل عن الأساس المنطقي لهدف وجودها ومعناها في التاريخ الإنساني ومصير الفرد مع تعريف تأكيد إن الدولة المثالية والكمال والنموذج المثالي والقيمة، والغرض يشكلون أساس فكرة الدولة، ومثل هذا الفهم للدولة و طبيعتها المعرفية يؤدي حتماً إلى تهمة المثالية أي الاعتراف غير المبرر للهيمنة الدلالية والبدائية للمبدأ الروحي على المادة،

 ومع ذلك وبالنسبة إلى التفكير العقلاني، فإن المثل الأعلى هو جوهر الإنشاءات المنطقية والقيمة حتى في قلب الفكرة المادية البحتة عن “مجتمع المستهلك” أو “دولة الرفاهية” تكمن صورة مستقبل الخير المشترك والتي سيتم فيها تلبية جميع الاحتياجات الأساسية للإنسان وجميع الحقوق الطبيعية، فلذلك لا يمكن لأي مجتمع الاستغناء عن عناصر الإيديولوجية لا الحديثة ولا حتى التقليدية.

من المستحيل بناء تسلسل هرمي من القيم القانونية والسياسة القانونية للدول من دون وجود ايديولوجية معينة، وأي قاعدة قانونية هي أمر يهدف إلى حماية قيمة معينة لنظام القواعد القانونية أو نظام التشريع، وبالتالي فإن أيديولوجية الدولة موجودة حتمًا في نظام القواعد القانونية التي تصدرها والتي يمكن اعتبارها وسيلة لتنفيذ الأحكام الدستورية وتحقيق الأهداف وتحقيق القيم المنصوص عليها في القواعد الدستورية،

 ومن أجل ضمان الأمن القومي بشكل فعال، فمن الضروري أن يكون لدى الدول قيم أساسية لا تشمل الفرد وأمنه فحسب، بل تشمل أيضًا الأسرة والعرق والشعب والأمة، وفي حالة وجود تضارب في المصالح بين المصالح الفردية والمصالح الوطنية فقد يتأثر الأمن القومي،

 فلذا ولضمانه، يجب أن تكون إحدى القيم الأساسية لمجتمعاتنا بتبني موقفًا واضحًا لسلطة الدول فيما يتعلق بالمثل والقيم الروحية والأخلاقية والقيم الأساسية للغاية ويمكنك تسمية هذه القيمة كما يحلو لك كالفكرة الوطنية أو الدولة المثالية أو مبدأ الدولة الأساسي،

 فببساطة، الأيديولوجية هي قمر صناعي في المجتمع يفكر فيه ويعكس الناس. وان تساؤلنا في لماذا تحتاج الدول والمجتمعات إلى الوحدة الاجتماعية؟ نجد الإجابة في العصر الحديث عبر “نهاية الإيديولوجية” وبذلك يتحول التحرر من الإيديولوجية إلى عبودية لا يدركها الناس ولم يختاروها ولكنهم وجدوا أنفسهم فيها، فتتمثل الأيديولوجية الحديثة لـ “مجتمع المستهلك” في شكل جديد من الأيديولوجية الليبرالية أو البرجوازية تحتاجها الدول والمجتمعات لكنه لا توجد أخلاقيات بدون أيديولوجية ولا توجد أيضا اخلاقيات حقيقية في الايديولوجيات،

غير إننا لن ننس انه يمكن للشعب ومن ثم نظام الدولة المثالية أن يكون بمثابة مؤشر للأخلاق العامة معتمدا كليا على العادات السائدة في المجتمع.

وفي ظل ايديولوجية الدولة، يجب فهم مجموعة من القيم والقواعد التي تضفي الشرعية على تنظيم السلطة العليا في بلد معين، وإن جوهرها هو المثل الاجتماعي الذي يعتمد عليه تبرير إنفاق الطاقة وكذلك الدافع لسلوك المواطنين في بناء نموذج مثالي للدول والبنية الاجتماعية وضمان الأمن القومي وتحقيق قوى اجتماعية وسياسية معينة، فعبر ذلك ينشأ المجتمع من الناس على أساس القيم والمثل العليا المشتركة وأهداف الحياة المميتة، وبالتالي فإن جوهر الدولة ينطوي على حماية ثقافة الشعب المكون للدولة بناء على يقين من التواصل الوطني والثقافة الشعبية،

 وان كل دولة وكل أمة وكل ثقافة تختلف عن بعضها البعض عبر ترتيب مختلف للقيم،  لذلك يتم تحقيق أنجح تفاهم متبادل بين الأشخاص الذين ينتمون إلى نفس الثقافة والى ذات الأمة واحدة، وإن أهم لحظة في مسألة أيديولوجية الدولة هي النظر في حقيقة أن كل مؤسسة سياسية وقانونية وكل دولة هي نتاج التطور الثقافي لشعب ما وأمة ما، تتشكل كل دولة ضمن ثقافة معينة ، يكون حاملها هو الشعب المكون للدولة ولا يمكن أن يكون هناك شخص مجرد وخارج إطار التقاليد الثقافية والتاريخية،

 وإن ايديولوجية الدولة على المستوى الوطني ضرورية لتوحيد الناس على أساس القيم الروحية العليا المعقدة من الأفكار حول ما يجب أن يكون في تطور الدولة حول أهدافها، ومن دون الإيديولوجية فمن المستحيل ضمان الأمن القومي وإدارة الدولة بفعالية، ولكل أمة لها فكرتها الخاصة عن الدولة الذي يتم تحديد التسلسل الهرمي لقيمها عبر تاريخ وتقاليد وثقافة الشعب المكون لها،

 لذلك ومن أجل تطوير نظام أية دولة، فمن الضروري السعي لتطوير التقاليد والثقافة الأيديولوجية وجعلها متاحة للإدراك مجتمعيا وتحويلها من نظريات وافكار إلى منهج قابل للتطبيق والتنفيذ الواقعي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *