أين هي حقوق أبناء متقاعدي الطبقة المتوسطة من منحة الاستحقاق الاجتماعي يا وزير التعليم العالي؟

أين هي حقوق أبناء متقاعدي الطبقة المتوسطة من منحة الاستحقاق الاجتماعي يا وزير التعليم العالي؟
عبدالفتاح المنطري:كاتب صحافي

صرح عبد اللطيف ميراوي وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار قبل أيام قليلة ضمن تفاعله مع أسئلة الفريقيْن الاشتراكي والحركي، عن المعارضة، وفريق التجمع الوطني للأحرار، عن الأغلبية، حول رؤية الحكومة لتعميم المنحة الجامعية في ظل الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الأسر المغربية، بأن “عدد المنح في التعليم العالي بالمغرب قد ارتفع فعلياً من 401 ألف منحة في الموسم الجامعي السابق إلى 421 ألف منحة خلال الموسم الجامعي الحالي”.

إلا أن أرقام ميراوي هذه لم تفلح في إقناع المعارضة التي سجلت “حرمان فئات عديدة من الطلبة من المنح أو نقص عددها ببعض الأقاليم”، وأنه “لا يمكن لأبناء الشعب الفقراء أن يدرسوا الآن في المغرب، يبدو أنه خاصْ يْكونْ عندو بّاه لاباسْ عليه ويقرّيه في كندا’”، في إشارة إلى العبارة الصادرة عن وزير العدل خلال تفاعله مع جدل امتحان أهلية المحاماة.

وردّ المسؤول الحكومي عن قطاع التعليم العالي ضمن تعقيبه بأن “القول بنقصان عدد المنح مغالطة للناس وترويج لمعطى خاطئ”، رافضاً في هذا الصدد ترديد الأمر على أنه صحيح عكس ما تدلّ عليه الأرقام الرسمية، وأضاف مستدركاً: “متفق معكم أنه يجب تعميم المنح والاستجابة لأكثر عدد من الطلبات المقدّمة، لكن بالنسبة للشباب اللي مافي حالْهُمْش”.وتابع ميراوي موضحاً أن “عدد المنح الجامعية لم يكن يتجاوز في المجمل 380 ألف منحة قبل مجيء هذه الحكومة. وفقط هذه السنة، هناك 20 ألف منحة إضافية، بزيادة 200 مليون درهم”، مؤكدا في نبرة صارمة: “لا يمكن نهائياً تعميم المنحة بمفهومها العام على كل فئات الطلبة الذين يصل عددهم حاليا إلى مليون و240 ألف طالب وطالبة بمختلف التخصصات والمؤسسات”.

وأورد الوزير، في معرض تفاعله مع النواب، بأن “ملياراً ونصف مليار درهم خُصصت لمنح التعليم العالي بالمغرب برسم الموسم الراهن، من أصل أكثر من 15 مليار درهم مخصصة إجمالًا لميزانية قطاع التعليم العالي”، مؤكدا: “نستهدف الأقاليم الهشة”، كما أن “السجل الاجتماعي المرتقب تعميم وتفعيل العمل به خلال 2023، سيتيح لنا إمكانية تدقيق الاستهداف حسب حالة كل طالب، ويمكّننا من تفادي هذه المشاكل”.

وأضاف ميراوي، أن الزيادة في “ميزانية المنح” تظل رهينة “قرار مشترك بين وزارتي التعليم العالي والاقتصاد والمالية”، مجددا القول بأن “قرار منح طالب ما المنحة الجامعية من عدمه، هو قرار يُتخذ ضمن لجان إقليمية تضم المنتخبين الذين أنتم جزء منهم”، وزاد قائلا: “قمنا بتسهيل الترشيح للمنحة عبر منصة رقمية، وخاصْنا نْزيدُو في المنح، ولكن يجب التعاون من أجل شراكات، إذ هناك جهات تتوفر على موارد ووسائل للتعاون معنا، وهذا الذي يجب العمل عليه مع الجماعات والجهات والقطاع الخاص”.

المنحة الدراسية محفز قوي للطالب الجامعي:

وهنا، أذكر سيادة وزير التعليم العالي ببلادنا، أن المنحة الدراسية التي تصرف للطالب الجامعي المحتاج إليها هي بحق أقوى محفز له ليمضي قدما نحو المزيد من الكد والاجتهاد في دراسته الجامعية، فالدول الخليجية خاصة السعودية منها وكذا الدول التي سبقتنا في التعليم الجامعي، لو لم تكن تخصص ميزانيات هائلة لطلابها الجامعيين و لتجهيز الجامعات لما تربعت على عرش المعرفة والبحث العلمي بين مصاف دول العالم.

لقد سبق لحزب الاستقلال أن نادى بتعميم المنح الجامعية على كل الطلبة، وهو أمر فيه إشكال، لأن أبناء الميسورين لن يكونوا في حاجة إليها إلا إذا كانوا من فئة أصحاب منحة الاستحقاق الدراسي والتي لا يفوز بها إلا عدد قليل من الطلبة المتفوقين جدا.
ما نصيب أبناء متقاعدي الطبقة المتوسطة من منح الاستحقاق الاجتماعي:

أما المعيار الحالي الذي يحدد أحقية الحصول على المنحة الاجتماعية الدراسية، فهو يقصي فئة عريضة من أبناء متقاعدي الطبقة المتوسطة التي يفوق أو يوازي راتب معاشها الشهري حوالي عشرة آلاف درهم أو أقل من ذلك، وهو أمر مجحف بالطبع لهذه الشريحة الاجتماعية التي لا تستفيد من الزيادات في معاشها منذ أن أحيلت عليه مقابل ما تعانيه من تآكل في هذا الراتب الجامد المجمد مع ما تشهده الحياة المعيشية من الزيادات المتتالية في أسعار المواد الأساسية وفي الضرائب والرسوم خاصة وأنها غير معفية بالمرة من أدائها أو أداء البعض منها كالرسوم العقارية ورسوم التسجيل والتأمين ورسوم “تمبر” جواز السفر الذي زادت قيمته و كلفة إنجاز رخصة السياقة التي ارتفعت قيمتها أيضا، وغيره كثير مما جرى في عهد تدبير حكومة “البيجيدي” – غير المأسوف عليها في نظري المتواضع – رغم تعالي أصوات المواطنين ضد تلك الإجراءات المجحفة التي تضررت بها قدرتهم الشرائية مدة عشر سنوات عجاف سالت فيها دموع الأرامل والمطلقات، وتقوض فيها مسار أصحاب الدخل المحدود وغضب فيها أشد الغضب سكان الطبقة المتوسطة حتى عاد ذلك الحزب الأغلبي آنذاك بخفي حنين، من 125 مقعد برلماني إلى 13 مقعد برلماني لا تسمن ولا تغني من جوع.

لماذا لا يعاد النظر إذن في طرق تدبير المنحة الدراسية الاجتماعية، ليستفيد منها أبناء متقاعدي الطبقة المتوسطة التي يوازي أو يفوق دخل الأسرة فيها الشهري الصافي عشرة آلاف درهم؟ خاصة من يعتمدون على راتب المعاش لوحده أو يتم إعفاؤهم كليا على الأقل من أداء الضريبة على الدخل، و تمتيعهم بإعفاءات ضريبية أخرى تهم حياتهم الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والصحية والترفيهية، حتى يتمكنوا من السهر على تدريس أبنائهم و إيصالهم إلى سلم المعرفة العالي لخدمة الوطن الذي هو في حاجة إليهم، (المغرب بحاجة إلى جيل جديد من الدكاترة، وصف ب ”دكاترة من الطراز العالمي”، مشيرا إلى أن “المغرب يجب أن يكون سنويا 2000 دكتور على الأقل، ليصل ل20 ألف دكتور سنة 2035 (حسب تصريح سابق لوزير التعليم العالي) بقبة البرلمان.

توزيع عادل للثروات:

وأحيلك هنا – الوزير – على ما أشار إليه الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي في حواره مع جريدة “لوموند” الفرنسية، حيث تناول موضوع توزيع الثروات بالمغرب، وقال بأن نموذجنا ينتج الإقصاء والتهميش واللامساواة الاجتماعية، ونحن نعلم منذ الاستطلاع الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط عام 2021 أن مراكمة الثروات بلغت مبلغا لا يطاق حيث أن فئة العشرين في مائة “الميسورة” من السكان تستحوذ على 53.3 في المائة من المداخيل المالية، بينما العشرين في المائة “الأقل يسرا” تكتفي بنسبة 5.6 في المائة والواقع أنه في البلدان الناشئة توجد طبقة متوسطة كبيرة الحجم، أما في المغرب فكل الدراسات تشير إلى أنها تتقلص وهذا عائق كبير أمام التنمية.

إن الزائر الأجنبي للمغرب-يقول أقصبي – قد ينبهر بنوعية بعض الإنجازات في البنية التحتية، ولكنها تظل إنجازات للواجهة مثل المساحيق، وهذه الاستثمارات محكوم عليها أن تظل بدون مردودية حقيقية لأنها بعيدة كل البعد عن حاجيات السكان الحقيقية وعن مستوى معيشة الناس،

كما لا يخفى عليكم ما كشفت عنه مؤخرا وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة؛ فاطمة الزهراء المنصوري، بأن الدولة صرفت إمكانيات مالية ضخمة من ضرائب المواطنين المغاربة لفائدة إصلاح منازل أسر وعائلات ثرية، وتتوفر على إمكانيات مادية.

وقالت الوزيرة خلال ردها على سؤال برلمانيين حول موضوع البنايات الآيلة للسقوط، إن من يتوفر على الإمكانيات المالية من أجل إصلاح منزله، يجب أن يتحمل مسؤوليته في ذلك، مضيفة “عندما قامت الوزارة بجرد المستفيدين من البرامج المتعلقة بالمباني الآيلة للسقوط بمدينة سلا، وجدنا أن عائلات معروفة بثرائها استفادت من إصلاح منازلهم بإمكانيات الدولة”.

كلمة الفصل:

إنه لامبرر يحسب هنا، ولا حجة يبنى عليها- الوزير – للحديث عن إمكانيات محدودة عند الدولة من أجل صرف منح للطلبة وتعميمها على من يستحقها مادامت الأرض المغربية تزخر – ولله الحمد والمنة – بثروات باطنية وبحرية هائلة، و مداخيل ضريبية عظيمة تجنى من عرق المواطن دافع الضرائب، و مداخيل الجالية المغربية المقيمة خارج الوطن الأم وعائدات السياحة و غيره كثير وما خفى أعظم بكثير.

الأمر يحتاج فقط ارادة سياسية وتضافر جهود الدولة والمتدخلين، من المحسنين وأصحاب رؤوس المال والأعمال والشركات الكبرى، وحسن نية وحكامة وتوزيع عادل للثروات مع اعتبار لحقوق أبناء متقاعدي الطبقة المتوسطة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *