هذا إلى وزير الأوقاف و رئيس المجلس العلمي الأعلى.. يجب عدم تبخيس العلماء؟
استنكر العديد من الأساتذة الحاصلين على الدكتوراه من درجة بروفسور، أو دكتوراه الدولة، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الكالي، طريقة فرض ما يسمى ب : “التأهيل” حتى يتسنى لهم الحصول على تزكية إلقاء خطبة الجمعة.
مصادر مطلعة تحدثت للعلم، أن هذه الطريقة فيها إهانة كبيرة ومذلة ليس بعدها مذلة للعلماء، وتبخيس العلم والعلماء و حاطّة من قدرهم، لأنه لا يمكن للأدنى أن يختبر الأعلى، و لا يمكن لمن هو دون المستوى أن يختبر صاحب المستوى، ولا يمكن لغير العالم أن يختبر العالم، وهذا ما يحصل لمجموعة من العلماء برتبة بروفسور، أو دكتوراه الدولة، و منهم رؤساء شعب بالكلية.. الذين أفنوا حياتهم في التدريس الجامعي و أشرفوا على مئات البحوث و أطروحات في الدراسات الإسلامية.. حيث يُفرض عليهم أن يجلسوا كـ :تلاميذ أمام لجنة تتكون من أعضاء أغلبهم أساتذة الإعدادي أو الثانوي لهم شهادة من مستوى الإجازة باستثناء عضو أو اثنين، و أن أغلبهم كانوا طلبة عند هؤلاء الدكاترة بالجامعة أثناء حصولهم على شهادة اللسانس؟
إن دليل الإمام يتحدث على التأهيل، والتأهيل يكون لغير المؤهل، ولا يعقل لدكتور أفنى حياته في تدريس الطلبة، وطلبة الماستر والدكتوراه في الدراسات الإسلامية، أن يجلس أمام أعضاء من المفروض أن يخضعوا هم للاختبار من طرف أولئك الدكاترة وليس العكس.
والأكثر من ذلك، أن هناك من يتوفر على صفة رئيس مجلس علمي سابق، كان قد عين بظهير شريف، وله أكثر من ثلاثين سنة ك: دكتور دولة بجامعة شعيب الدكالي وجامعات دولية، في الدراسات الإسلامية، أن يطلب منه أن يخضع بدوره “لمهزلة” ما يسمى “التأهيل” حتى يتسنى له الحصول على تزكية الخطابة؟ إنها قمة المهزلة، وتبخيس للعلم والعلماء، وعدم إعطاء أي قيمة للعلماء؟ والنقص من شأنهم، وإذلالهم، بالجلوس أمام أشخاص بمجرد أنهم أعضاء بالمجلس العلمي، وليس لأنهم أصحاب علم شرعي مبني على قواعد أصيلة.. وليس لهم حتى أدنى مما يتوفر عليه أولئك الدكاترة العلماء بالجامعة؟
إن هذا الوضع نتج عنه جفاء على منابر الجمعة، و خطب كثير منها أخطاء وركاكة وعدم الإلمام بالنصوص الشرعية وتوظيفها في غير محلها.. لأنه عندما تسلم المهام لغير أهلها، هكذا تكون النتيجة؟ ولأن الدكاترة العلماء يرفضون مهزلة “التأهيل” الشيء الذي يجعلهم خارج المنابر؟
كما أن هذا السيف المسلط على العلماء بضرورة إخضاعهم للمرور أمام لجنة المجلس العلمي قصد الاختبار فسح المجال أمام اشخاص بضاعتهم من العلم مزجاة، ولا شأن لهم بالعلوم الشرعية، يتقدمون بطلباتهم إلى المجلس العلمي، وبالتالي فيتم اختيار أيسر من حضر، رغم عدم توفر الأهلية العلمية لأي منهم؟
إن القاعدة، أن يخضع الأدنى علما للأعلى وليس العكس، فلا يمكن أن يجلس عالم أفنى حياته في التدريس الجامعي في الدراسات الإسلامية، وأشرف على عشرات الأطروحات في الدكتوراه أن يجلس أمام لجنة جل أعضائها لهم شهادات أكاديمية متواضعة جدا.
إن وزير الأوقاف ورئيس المجلس العلمي الأعلى ، هذا الأخير الذي بدوره دكتور وكان قيدوم كلية الشريعة بفاس، لا أظن أنهما سيقبلان بهكذا وضع، يبخس من جهود العلماء دكاترة الدولة، وبروفسورات، أو من جمع بين صفتي دكتوراه الدولة في الدراسات الإسلامية و رئيس مجلس علمي سابق، أن يجلس أمام لجنة بعضهم درس عنده في الجامعة، وليس لهم حتى جزء مما يتوفر عليه من الكفاءة العلمية، فلا أظن أن وزير الأوقاف ولا رئيس المجلس العلمي الأعلى يقبلون أن يتم النقص من شأن العلم والعلماء، وبالتالي يتحتم عليهم، بل من الواجب التدخل، لرد الاعتبار لهذه الفئة من العلماء عبر توجيه توصية للمجلس العلمي بالجديدة بأن يتعامل مع هؤلاء بمنحهم تزكية الخطابة أو الوعظ والإرشاد بناء على طلب دون الخضوع لمهزلة “التأهيل” الذي يكون لغير المؤهل.
بعض العالمين بالشريعة والقانون، أوضحوا أن التنظيم القضائي المغربي يعطي الحق لأساتذة القانون الذين درسوا عشر سنوات في الجامعة مادة القانون –حتى ولو لم يكونوا حاصلين على الدكتوراه – الاعتلاء منصة القضاء دون مباراة.. وكذا الحاملون لشهادة الدكتوراه من غير الموظفين أن يحصلوا على أهلية ممارسة مهنة العدول دون مباراة… إلا الأوقاف التي يصطدم فيها دكاترة الجامعات الذين أفنوا عمرهم في التدريس والإشراف على البحوث و الأطروحات أن يخضوا إلى ما يصطلح عليه “التأهيل” أن يجلسوا أمام أشخاص ليس لديهم نفس الكفاءة العلمية أن يختبروهم، ما يعتبر مهزلة وتبخيس للعلم والعلماء، والحط من قدرهم وعدم الاعتراف بشهادة دكتوراه الدولة أو حتى درجة بروفسور في الجامعة ولا حتى صفة سابقة لرئيس المجلس العلمي.
هناك دكتور من درجة بروفسور أفنى حياته في التدريس الجامعي وكان رئيسا لمختبر علمي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، و أشرف على كم هائل من شهادات الدكتوراه محليا ودوليا، كان خطيبا بمسجد الحي السلام بالجديدة لثلاث سنوات، ولم يأخذ درهما واحدا، لكن اصطدم بأن طُولب منه أن يحضر أمام لجنة المجلس العلمي و منهم من كان طالبا عنده، ولم يصلوا حتى ثمن كفاءته العلمية، من أجل ما يسمى “التأهيل” فترك لهم كل شيء، و اعتبر تلك الدعوة بأنها إهانة و إذلالا للعلم والعلماء، وتحقيرا للشهادات التي يتوفر عليها ك: بروفسور و نقصا من قدره؟؟؟
وقد طالب العديد من دكاترة الجامعة وهيئات مدنية من وزارة الأوقاف و المجلس العلمي الأعلى توجيه رؤساء المجالس العلمية بإعطاء الأسبقية لهذه الفئة من العلماء دكاترة الجامعات الذين درسوا أكثر من عشرين سنة في شعبة الدراسات الإسلامية و منحهم التزكية المباشرة لخطابة الجمعة أو تزكية الوعظ والإرشاد، إسوة بما ينص عليه التنظيم القضائي المذكور أعلاه، تقديرا للشهادات العلمية واحتراما وتوقيرا للعلم والعلماء والإعلاء من شأنهم، بدل من تحقيرهم و إهانتهم بالجلوس أمام أشخاص أقل منهم علما وكفاءة..
إذا لاحظنا و تمعّنا النظر في أئمّة مُعظم مساجد المغرب، الذين يتِمّ اختيارهم من قبل “الوزارة” المعنية، نجد أنّهم أئمّة تقليديّون ، إنْ صحّ التعبير، ليست لهم الكفاءة في إلقاء خُطَب الجُمعة، نظراً لِمَحدودية معارفِهم الدينيّة، فغالِباً ما يتناوَلون في مواضيعهم أموراً غايَةً في البَساطَة، يعرفُها عامّة الناس، ففي القرن الواحد و العشرين، عصر التحديث و العصرَنة، لازال الناس يستمِعون إلى خُطَبٍ تقليديّة قديمة لا فائدة من ورائها، ما أحوَج المَساجد المغربيّة إلى علماء ذوي الشهادات العُليا في المَجال الدينيّ من أجل إفادة المُسلمين من خلال الزّخَم الهائل الذي يزخرون به في جميع صُنوف العلوم الدينيّة.