مفهوم الاعتراف تحت أضواء تشارلز تايلور.. وأكسل هونيث (الجزء الخامس والأخير)

مفهوم الاعتراف تحت أضواء تشارلز تايلور.. وأكسل هونيث  (الجزء الخامس والأخير)
أحمد المعطاوي

2.3. أشكال الاحتقار:

وحينما نمايز بين الأشكال الثلاثة للاعتراف الحب و الحق و التضامن، يقدم لنا ذلك المفتاح المعرفي الذي يجعلنا قادرين على ضبط تمظهرات الاحتقار التي يمكن أن نجملها في ثلاث نماذج:
الاحتقار الجسدي: وهو نمط من أنماط الازدراء التي تحصل بين الذوات، ويتمظهر بصورة خاصة، في العنف بأنواعه، وفي صور الإهانة والتعذيب والإغتصاب.

الإحتقار المتمثل في حرمان المرء من حقوقه وتهميشه، ويكون هذا الضرب من الازدراء بفقدان المساواة مع الغير.

الاحتقار المتمثل في ازدراء دور الفرد ومشاركته اجتماعيا، فالفرد الذي لا يحظى بمنزلة كريمة في المجتمع، يشعر بالاحتقار والازدراء.

ونخلص إلى أن المنحى الاعترافي الذي أقره أكسيل هونيث هو البراديغم الأوفى الذي يضمن اللحمة الاجتماعية على منحى حثيث، كما أنه يؤسس لنظرية في الاخلاق السوسيولوجية، لأن هناك تواشج عميق بين الأخلاق و مفهوم الاعتراف.

ولهذا كان تصور الاعتراف المتبادل بين الذوات كفيل بوضع حد لكل ما يدعو إلى الصراعات الاجتماعية الممزوجة بروح الهيمنة والقمع والسيطرة ومظاهر الظلم والحرمان والإقصاء الاجتماعي، ومن ثمة يقتدر الأفراد تحقيق ذواتهم في الفضاء العمومي وفقا لثلاثة أشكال قيمية للاعتراف: الحب و الحق و التضامن، إلا أن إحقاق براديغم الاعتراف في الفضاء العمومي من خلال هاته الأنماط يجد صعوبة كبيرة إذا عمدنا إلى إسقاطه على أرض الوقع، إذ أن كثيرا من البشر يجدون أنفسهم أمام ما ينعته هونيث بالنأي عن الإعتراف، الذي يتخذ ثلاث تمظهرات أساسية تؤدي بالضرورة إلى الاحتقار أو الحرمان من الحقوق في الشق القانوني أو أن يفقد الفرد منزلته السوسيولوجية فيحصل الإحتقار سوسيولوجيا.

خاتمة:

ذات مرة قال هيجل: ” العقل يجمع الناس والفهم يفرقهم”، وعلى نفس الشاكلة، وإذا أسقطنا معنى هذه القولة على حال الكندي تشارلز تايلور والألماني أكسيل هونيث، كان هذا الحال كالتالي: أولا، جمعهما مفهوم الاعتراف وفرقهما فهمه، وثانيا، جمعهما الكبير هيجل وفرقهما الفهم عنه.. كل واحد منهما قرأه من زاويته بحسب ثقافته واهتماماته والمدرسة التي انطلق منها(تايلور من الجماعاتية ، هونيث من النظرية النقدية )، كل واحد شكل الاعتراف وأسس له بحسب ثقافته واهتماماته، ومنه انتهى الامر بأن اهتدى تشارلز تايلور إلى الاعتراف بوصفه حاجة إنسانية حيوية، وأكسيل هونيث باعتباره موردا سيكولوجيا ضروريا لإثبات الذات وتحررها بقدر ما يشكل آلية للاندماج الإجتماعي.

لنتذكر..

تشارلز تايلور هو فيلسوف كندي من مدينة مونتريال في الكبيك، ولد عام 1931، يعد من أبرز الفلاسفة المعاصرين في مجال السياسة، والفلسفة الأخلاقية، والفلسفة الدينية. ترجمت أعماله إلى أكثر من عشرين لغة، أستاذ العلم السياسي والفلسفة في جامعة مكفيل، حيث درس عام 1961 إلى غاية 1979، وفي عام 2007 عين رئيسا بالاشتراك مع عالم علم الاجتماع جيرار سباكتر في اللجنة الاستشارية حول التوافقات المتعلقة بالاختلافات الثقافية، التي سويت لجنة بوشار تايلور، كما يعد أحد مؤسسي حركة اليسار الجديدة في بريطانيا وقام بترشيح نفسه عدة مرات في برلمان الاتحاد الكندي. من أهم أعماله شرح السلوك 1964، هيجل 1975، هيجل والمجتمع المفتوح 1979، النظرية الاجتماعية كممارسة 1979، مصادر الأنا: تكون الهوية الحديثة 1989،التعددية الثقافية: دراسة في سياسة الاعتراف 1992، أخلاقيات الأصالة 2003

ولد أكسيل هونيث في آيسن بألمانيا عام 1949، درس الفلسفة وعلم الاجتماع في بون، ثم واصل دراسته في جامعة برلين، وبعد ذلك التحق بمعهد ماكس بلانك، واستقر بجامعة غوته بفرانكفورت لتدريس الفلسفة الاجتماعية.

بدأ متأثرا بأستاذه يورغن هابرماس ثم عمل على تأسيس فلسفة اجتماعية جديدة تقوم على براديغم الاعتراف، وأمست له شهرة عالمية.

ولهونيث العديد من المؤلفات أهمها: نقد السلطة 1985، الصراع من أجل الإعتراف 1992، مجتمع الاحتقار 2002، حوار راهنية فلسفة الحق لهيجل 2001، التشيؤ 2005.

الاتجاه الجماعاتي هي فلسفة تؤكد على الترابط بين الفرد والمجتمع. يقوم جوهر فلسفتها على الاعتقاد أن هوية الشخص الاجتماعية وشخصيته تقولبها العلاقات المجتمعية إلى حد كبير، مع درجة أقل من النمو المرتكز على الفردية.

ويسعى الجماعاتيون إلى تعزيز رأس المال الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني.

مدرسة فرانكفورت هي حركة فلسفية نشأت بمدينة فرانكفورت سنة 1923.

بدأت الحركة في معهد الأبحاث الاجتماعية بالمدينة. وجمعت فلاسفة مثل ماكس هوركهايمر، والتر بنجامين، وهيربرت ماركوز، ويورغن هابرماس وهو الممثّل الأكثر شهرة للجيل الثاني للمدرسة وأكسيل هونيث هو ممثل الجيل الثالث لها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *