زلزال الحوز.. العظات والعبر

زلزال الحوز.. العظات والعبر

هشام النخلي

في ليلة الجمعة الثاني من شتنبر، حوالي الساعة الحادية عشر ليلا، شعر جل سكان المغرب بالزلزال، وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي حصول هزة أرضية بعدة مدن.. و تابعت القناة الأولى الرسمية، لم يظهر على شريط أسفل الشاشة أي خبر عاجل؟

وبعد ذلك تم الإعلان في نشرة لاحقة عن تعرض بعض مناطق المغرب لزلزال بقوة سبعة درجات على سلم ريشتر، ثم بدأت الصورة تتضح أكثر، ليتم الإعلان عن زلزال رهيب مسح مناطق بسلسلة الأطلس من خريطة المغرب.
وحددت وزارة الداخلية مركز بؤرة الهزة الأرضية وأماكنها، فجاءت عل الشكل التالي:

إقليم الحوز: الذي يعتبر مهد الدولة الموحدية، عد مركز هذا الزلزال، ويبلغ عدد سكانه أكثر من أربع مائة و أربع وثمانين ألف نسمة، ومساحته ما يزيد عن ستة آلاف كيلومتر مربع. وقد تضررت مدن وقرى في الإقليم من الزلزال العنيف نذكر منها : مولاي إبراهيم، واسني، وتحناوت، وستي فاضمة، وايجوكاك، وثلاث نيعقوب، ويرغان، وأغمات، وتنمل، وامزميز، وأغبالو، وأوكايمدن.

إقليم تارودانت: هو ثاني الأقاليم في المنطقة الجبلية من حيث الوفيات، ويبلغ عدد سكانه أكثر من ثمان مائة ألف نسمة، و مساحته ما يزيد عن ستة آلاف وخمس مائة كيلومتر مربع.

إقليم شيشاوة: يبلغ عدد سكانه أكثر من ثلاث مائة ألف وتسعة وستون نسمة، ومساحته ما يزيد عن ستة آلاف كيلومتر مربع.

إقليم ورزازات: يبلغ عدد سكانه أكثر من أربع مائة ألف وتسعة وتسعون نسمة، ومساحته ما يزيد عن واحد وأربعون ألف كيلومتر مربع.

إقليم أزيلال: يبلغ عدد سكانه أكثر من خمسة مائة ألف نسمة ، ومساحته ما يزيد عن تسعة آلاف وثمان مائة كيلومتر مربع.

مدينة أكادير: سبق لها التعرض لزلزال مدمر في ستينيات القرن الماضي، يبلغ عدد سكانها أكثر من أربع مائة وواحد وعشرون ألف نسمة.

جهة الدار البيضاء الكبرى: يبلغ مساحتها ما يزيد عن مائة وأربع عشرة ألف كيلومتر مربع.

إقليم اليوسفية: من أقل المناطق المتضررة، يبلغ عدد سكانها أكثر من مائتان وخمسون ألف نسمة، ومساحتها حوالي ألفان وتسعة مائة وتسعة عشر كيلومتر مربع.

في صبيحة اليوم الموالي للزلزال، وتنفيذا للتعليمات الملكية، انتشرت القوات المسلحة الملكية، وعناصر الدرك الملكي، والقوات المساعدة، لتنظيم عملية مرور آليات الإغاثة، وتوزيع مساعدات، في حين قام عناصر الوقاية المدنية بتنصيب الخيام لإيواء عائلات المتشردين، بدون مأوى، لفك العزلة عنهم.

رفرف الموت بأجنحته فوق المنطقة، وارتفعت أعداد الضحايا نظرا لقوة الزلزال المدوي، ووعورة التضاريس، ولنوم الساكنة باكرا، ولطبيعة البناء التقليدي المتكون بالأساس من الطين والقش، القائم منذ سنوات، والذي عندما انهار، خلف ركاما كتم أنفاس الضحايا في بضع ثوان.

أصيب الناجون بصدمة مفزعة، وارتسم على وجوههم الذهول، والرعب، والسهر، والإعياء، لم يطالبوا سوى بالأكل والشرب وخيام تأوي عائلاتهم من برد الليل، خصوصا وأنهم باتوا ليلتهم الأولى في العراء، مفترشين الأرض، وملتحفين السماء، فرارا من هزة ارتدادية محتملة، ومخافة انهيار منازلهم المشقوقة.

وما زاد من تعقيد عمليات الإغاثة، تناثر الأحجار الضخمة على جنبات الطرقات، فكل هزة جديدة قد تسقط أحجارا أخرى: فلو تهاوت ستحدث مآسي رهيبة. ولقد دأب مهندسو وعمال وزارة التجهيز على توسيع الطريق ليل نهار بالجرافات، قصد مرور شاحنات الإمدادت وسيارت الإسعاف.

أما في المناطق الوعرة، فقامت القوات المسلحة الملكية بإرسال طائرات هيلكوبتر عملاقة تسقط المواد الغذائية من الجو. وطائرات أخرى، تابعة لدرك الملكي، أقامت جسرا جويا تنقل المصابين نحو المستشفى الجامعي بمراكش، وطائرات درون، تحدد مناطق الإغاثة النائية، خصوصا التي يتجاوز ارتفاعها ألف وثماني وثلاثين متر عن سطح الأرض.

في الحقيقة، هذا الزلزال حير بعض علماء الزلازل، وأسقط الكثير من نظرياتهم، ودراستهم العلمية، لأن هاته المنطقة بعيدة عن أحزمة الزلازل المعروفة، فإقليم الحوز بعيد عن خط تقاطع الصفائح التكتونية الإفريقية والأورو- أسيوية، فمن غير المتوقع أن يتجاوز مقياسه خمس درجات على سلم ريشتر، فهو زلزال غريب وغير عادي.

في سياق متصل بالزلزال، أشرف المركز الإستشفائي الجامعي محمد السادس بمدينة مراكش على استقبال مصابي هذا الزلزال، الذين تدفقوا بغزارة، بالإضافة الى سيارات الإسعاف التي تحمل المصابين.

استغل كل متر في المستشفى لإسعاف المصابين بجروح أو رضوض أو كسور.

وبهذا الخصوص، خصصت وزارة الصحة جميع الوسائل اللوجيستيكية والموارد البشرية لهذا المصاب الجلل، ووفرت الموارد والمعدات الطبية الضرورية في مثل هاته الكوارث: أدوية الإنعاش والتخدير، والأجهزة الطبية المستخدمة في الجراحة مثل: المسكنات، ومضادات الالتهاب، والمضادات الحيوية، وأقنعة الأوكسجين.

كما ساهمت فرق الهلال الأحمر المغربي، المدربة على التعامل مع الأزمات والكوارث، بكثافة في جهود الإنقاذ وإسعاف ضحايا الزلزال.

وبموازاة ذلك، أقيم مستشفى عسكري طبي جراحي ميداني بإقليم تارودانت يضم أطباء، وممرضين ومساعدين اجتماعيين، تابعين للقوات المسلحة الملكية، يضم العديد من التخصصات الطبية المتنوعة.

وهب المواطنون متبرعون بالدم والمال والأغذية والأغطية، كل حسب استطاعته، سواء مغاربة الداخل، أو مغاربة العالم، في قوافل إنسانية، للمساهمة في تخفيف آلام المصابين. كان على المواطنين تسليم تبرعاتهم إلى مؤسسة محمد الخامس للتضامن، لإيصالها حسب خصاص كل منطقة، عوض عرقلة الطريق.

وقامت السلطات المغربية بإقامة مدارس ميدانية، ومخابز متنقلة لإطعام الناجين، وغيرها من المبادرات الإنسانية المتعددة…

كما تبرع رياضيون بمنحهم لصندوق الدعم، وكذلك الأندية والاتحادات الرياضية، كفريق الوداد الذي شارك بتذاكر افتراضية، و أعلنت الجامعة الملكية المغربية للتنس، وجامعة الكراطي، عن تضامنهما بمساهمات مالية.

ولقد عبرت كافة حكومات وشعوب العالم عن تضامنهم مع المغرب، وعن رغبتهم في مد يد العون والمساعدة، ذات الطابع التضامني الإنساني.

واستجاب المغرب لعروض أربع دول فقط من بينها قطر، والإمارات، وبريطانيا، وإسبانيا، و قد عبرت السلطات المغربية أنهاـ استجابت في هذه المرحلة ـ لعروض الدعم التي قدمتها الدول الصديقة، وشددت أنها أخذت بعين الاعتبار أن عدم التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي لنتائج عكسية على أرضية الميدان.

وبخصوص مسألة قبول أو رفض المساعدة فهي تخص سيادة الدولة التي وقعت فيها الكارثة.

كما أن بعض منظمات الإغاثة الدولية قد تكون لها دوافع لا إنسانية، وغير بريئة.

و نحمد الله تعالى، على أن بؤرة الزلزال لم تنشط في مناطق شديدة الكثافة البشرية والعمرانية، وعدم حدوث هزات مرتدة في البحر، دافعة لأمواج البحر نحو المدن الشاطئية.

ستدفع هاته الكارثة للتعجيل بإصدار قانون بناء مضاد للزلازل، سيفعل بعد تأكيد الخبراء والمهندسين على استقرار الصفائح التكتونية.

والحذر من الشقوق الجبلية، التي قد تؤدي الى كوارث محتملة على المدى القريب والبعيد.
لكن ماذا بعد هذا الزلزال؟

سيكون لزلزال الحوز آثار اقتصادية، على مستوى القطاع السياحي، والنقل المرتبط بهذا القطاع، وسيعمق من حزام الفقر بالمنطقة.

لهذا يجب مساندة هاته الفئات الهشة: من خلال دعم عمليات الزراعة، والرعي، والمشاريع المدرة للدخل وفق برامج المبادرة الوطنية التنمية البشرية.

كما أن الطرق المسدودة أو المنهارة ستعيق في الوقت الراهن تنشيط الدورة الاقتصادية.

ولتجاوز العجز في الميزانية، ستعتمد الدولة على مساهمة كل من: القطاع الخاص، والأسر، ومغاربة الخارج، والبلدان الصديقة والشقيقة، وبعض المؤسسات والهيئات الدولية.

وستدأب على نشر ثقافة التأمين لدى لساكنة المحلية: التأمين على الحياة، والمنازل، والحقول، والمواشي.لتدبير مخاطر الجفاف. والحرائق. والكوارث الطبيعية.

فحسب وجهة نظري المتواضعة، فيلزم، تحديد نفقات استثنائية، وترتيب الأولويات، وتأجيل المشاريع المبرمجة، حتى تتم عملية إيواء المتضررين، وتتكفل الأمة بالفئات الأكثر تضررا، و ذلك من خلال عمليات ترميم المباني التاريخية، و بناء محلات للصناع التقليديين ـ و إقامة مطاعم شعبية جديدة، وتشييد فنادق ملائمة لعمران وخصوصية وهوية الأقاليم المتضررة، حتى تسري التنمية، في شرايين تلك المناطق، وتبعث من جديد، من تلقاء نفسها.

الأكيد، أنه بعد زلزال الحوز، ستنتعش المنطقة بعد تدفق ينابيع مائية، وستدشن مرحلة جديدة، مرحلة البناء والتشييد، التي سيسهر على اكتمالها الملك محمد السادس، الذي أمر بإحداث حساب خاص تحث اسم ” الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال”، وترأس اجتماع عمل بالقصر الملكي بالرباط خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين.

وكذلك الدور المحوري لجميع أجهزة ومؤسسات الدولة، وتضامن الشعب، في السراء و الضراء، والمكونات الحية للمجتمع المدني، وسيتحول التحدي إلى نصر، بإذن الله.
وأتقدم بخالص العزاء والمواساة إلى كل شهداء الزلزال، تغمدهم الله بواسع رحمته و مغفرته، وأسكنهم فسيح جناته، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، ومتمنياتني بالشفاء للمصابين، إنا لله، وإنا إليه راجعون.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *