حكاية الأرض للسماء -الحكاية الأولى-
بقلم: الشاعر محمد رزيق
1.
من ضاحية البيضاء لبيروت
انتقشت أولى صور الذِّكريات،
اندرس جلّها في وعاء المجهول
في أغوار الأزقة والمروج؛
في غفلة من الزَّمان كبُر حنظلة،
جرعات الحبّ شحَّت
من مصل أخطأ الشِّريان
لم يصله سوى ما لقمه من نهد أرهقه الوهن،
الحكيم يرى بتره
والمباركة تأبى لقاء ربها من دونه.
2.
أكتب إليك من بيروت،
من شرفة على شارع الحمراء
خبت نجومه فادلهمّ
وبات يرفل في خمار أسود.
انحدر حنظلة إلى الشارع،
يخطو خطوَ غريبٍ
يتلمّس موضع قدميه
في ظلمة لم تعهدها بيروت.
.3
يذكر حنظلة حين احتضنته ضحى،
أن الذي به بها..
زرعت منذها جراثيم الودِّ
فجرت السُّيول تخيط الرتق؛
المنوال والمغزل والمشط
ودقات على إيقاع رهيب
وترانيم تناغي الفؤاد؛
تنسجم أوتار الرباب
فأمسك بريشتها، بأناملها
ضغط على الحُمّار، فتحرّكت الموسيقا
على مقام الحجاز، وأنغام أندلسية،
حاول التحكم في الإيقاع..
على فخد غير ناشلة، وهو يردد أُحبّك.
4.
في بيروت لم تغب عنه،
رجل مع البحّارة، يجوب المتوسِّط
بها يسبح سراً كي لا تسرق العذراء اسمها،
وعلى مشارف البقاع تمزّق الفؤاد،
حبيبتان دمعت لهما المقل:
يسير في نفق ب «مليتا»
خلف المقاومة يمني النفس بالشهادة
بكسر الجدار الحاجز، بفتح أبواب العودة
فالمفتاح معي يا زهرة المدائن؛
والثانية؛ استشرى حبّها في العروق
إلى حديثها أتوق، ولوقع قدميها أشتاق.
5.
يكبر البون في البناء
طين وتين هنا،
وهناك عسجد ولجين
ليس لحنظلة فكاك
على الثغر الجميل يحرسه
بريق وترياق يبلسم الجراح.
يغفو لولا لعلعة من مخيم “العين الحلوة”
أجلت التكالى والأيتام والمنكسرين
وعلى صدرهم مفاتيح نياشين
من مخيم إلى العراء
ولا أحد معي سوى حبِّي
أتنسمه مع كل نسيم يهب من الغرب
البعيد، نسائمه مخضبة بعطرها
بالزعتر واللوز والزيتون،
وأشجار الأرز تخفق عالياً
يتردد صدى من رحلوا بين الجبال.
6.
كقطرة شهد تلسعني عذوبتها
كلسع الجوز لسان حبيبتي؛
يمرّ طيفها فيملأ مرأى عيوني
وطيف حبيبتي يملأ مرأى عيوني
وأسمع همسها حين أخطو وأستكين.
أضغط على الزناد
أشتم رائحة البارود
وهو يحرس حبّنا.
أسائل طارق متى فتح الأندلس؟
وكيف عبَر صلاح الدِّين يا سادة؟
سألت زريابَ لماذا تركت الدِّيار
أمن الموصلي هروباً؟
أم سفير حضارة وفن، حللت بغرناطة..
ببيروت حين نفذ الوقود
انطفأت شموع الأمل
ببيروت حين نفذ الوقود
حين تكالب الجميع
انطفأت أضواء شارع الحمراء
ورحل الفنيقيون بعدما ضاق الزمان.