الفرص التي ضاعت من الجالية المغربية

الفرص التي ضاعت من الجالية المغربية

محمد بونوار كاتب وخبير في شؤون الهجرة مقيم بألمانيا

كما هو معلوم يبلغ عدد المغاربة الذين يعيشون خارج الوطن بحوالي 5 ملايين ، وهو رقم تقريبي حيث يمكن أن يكون العدد الحقيقي أكثر بكثير.

هذه الشريحة من المواطنين المغاربة والذين يطلق عليهم مغاربة العالم بحكم أنهم مبثوثين في جميع القارات ، يتركون في خزين الدولة بالعملة الصعبة ما يقارب 97 مليار درهم ، أي ما يعادل 10 مليار دولار سنويا ، وهذا الرقم يبقى نسبي لان هناك تحويلات تمر بطرق غير رسمية . وهو ما يعني أن أكثر من ثلث العملة الصعبة في خزينة الدولة المغربية تأتي من تحويلات مغاربة العالم.

مقاربة أولية بخصوص هذه الارقام ، فمغاربة العالم يتفوقون على مردود مادة الفوسفاط التي يشتهر بها المغرب ويصدرها الى بلدان العالم، حيث لا يتجاوز هذا القطاع 80 مليار درهم أي 8 مليار دولار سنويا.

بعد هذه المقدمة الصغيرة للتعريف بأهمية مغاربة العالم في صلب الاقتصاد الوطني المغربي ، نبدأ بالفرصة الاولى التي ضاعت من مغاربة الاعلام ، وهي الاستثمار في مادة صناعة الاعلام ،حيث ضيع المغرب فرصة الاستثمار في صناعة الاعلام رغم وجود جميع العناصر التي تؤسس هذا القطاع الغني والمربح والمؤثر.

كفاءات مغاربة العالم لم تتم الاستعانة بها لخلق مشاريع اعلامية عملاقة سواء المرئية ، أو المكتوبة . ومن هنا يمكن أن نقول: أن غياب بعد النظر، وغياب التفكير بعقلية الاستثمار، كان سببا في تفويت هذه الفرص على الجالية المغربية، وعلى المغرب في تلميع صورته عبر العالم ، هاته الجالية أنجبت اٍعلاميين ومثقفين، ونشطاء في السياسة والرياضة والابحاث العلمية والاقتصاد في بلدان مختلفة وبلغات متعددة.

مغاربة العالم، كانت ولازالت تربطهم علاقة كبيرة بالوطن الام ، وما يترجم هذه العلاقة هو تشبثهم بفكرة بناء منازل في موطن الازدياد ، لأن الحلم الاول كان هو توفير بعض المال والرجوع للعيش بأرض الوطن، لكن عندما كبر الاولاد وتزوجوا بدأت فكرة العودة تتقلص رويدا رويدا، ومع مرور السنوات أصبحت هذه المنازل وهذه العقارات في خطر، وهناك من تمت سرقتها، أو تخريبها ، أوالترامي عليها بدون وجه حق.

هذه المشاكل، جعلت هذا التوجه يتراجع بكثير، وهناك من أقدم على بيع العقارات التي يملكها في الوطن الام ، لشراء أخرى في مكان الاقامة، وهناك من تراجع الى الوراء مخافة ان يسقط في نفس الاكراهات، وما لا يبشر بالخير هو الجيل الثالث الذي لا يجد أي غضاضة في بيع أملاك وعقارات الوالدين بالوطن الام مباشرة بعد موتهما.

اٍذن انطلاقا من هذه المعطيات، يتوجب توفير الامن الاجتماعي، وخلق فرص الراحة والاطمئنان لوقف هذا التراجع.

ولهذا، يتوجب على القائمين على أمور الجالية، أخذ هذه المعادلة بعين الاعتبار من زوايا مختلفة في المستقبل.

كوجهة نظر في هذا الموضوع، يتوجب على المؤسسة التي سوف تشرف مستقبلا على الجالية، أن يكون لها مدخل الى الوعاء العقاري بشكل مباشر، أي بمعنى الاستثمار في العقارات.

وبخصوص هذه المؤسسة التي سوف تشرف على برامج التنمية البشرية بشراكة مع مغاربة العالم، عليها أن تتوسع بشكل كبير للمساهمة عن قرب وبشكل مباشر قصد المساهمة في الاقتصاد المغربي.

مثلا، بناء المخيمات الصيفية بالشواطء المغربية لفائدة أبناء الجالية، وبناء شقق على شكل مجمعات سكنية محروسة ومؤمنة، وتسهيل احداث شركات لجمع النفايات بالمدن المغربية وصيانة الحدائق والمنتجعات، ويمكن توسيع فكرة هذا الطرح الى التشجيع على فتح شركات قصد الاستثمار في توزيع الماء والكهرباء على الصعيد الوطني، وفتح المجال للمستثمرين من مغاربة العالم لاقتحام عالم الصناعة الغذائية.

ولتحقيق هذا، يجب اعادة قراءة مفهموم الاستثماربشكل كلي انطلاقا من مفاهيم جديدة مشتقة من منظومة الاستثمار بمفهومه الشامل والكبير وليس بمفهومه الضيق.

منظومة الاستثمار اٍذن، تستدعي خلق تشريعات قانونية جديدة عمودها الاساسي مغاربة العالم كرافعة اقتصادية فوق أرض الواقع، وليست رافعة في الخطابات والشعارات، هذه النظرية، يمكن اعتبارها من الان طفرة فكرية جديدة وجدية تحتاج الى كفاءات لها أفكار ولها تصورات ولها قناعات بأن الاستثمار يجب أن يكون بأي ثمن.

حينما نقول بأي ثمن ، المراد بهذا هو تنظيم تكوينات مستمرة للمستثمرين من مغاربة العالم والراغبين في الدخول الى مجال الاستثمارات الوطنية الكبرى حسب التخصصات، مع مواكبة كل مشروع على حدة منذ البداية الى درجة التمكين من اٍدارة المشروع بشكل ذاتي وطبيعي.

الهدف الاول بهذه الخطة، هو جلب المستثمرين من مغاربة العالم، والثاني هو تعويض الشركات الاجنبية التي تقوم بجمع النفايات بأثمنة خيالة وأخرى تقوم بتوزيع الماء والكهرباء والتي تقوم بتحويل أرباحها خارج الوطن.

والهدف الثالث، هو الرقي بالشركات المغربية المحدثة من طرف مغاربة العالم الى مصف الشركات الاجنبية في المجالات التي تم ذكرها في المقال، ويمكن وضع تصورات التصدير مستقبلا في مجال الصناعة الغذاءية، وهنا لابد من الاطلاع على السياسة الاقتصادية التي طبقتهما دولة تركيا والتي اعتمدت على أبناء شعبها في البداية، والتي أصبحت اليوم تصدر صناعتها الغذائية وصناعة الملابس الى نصف العالم.

ولكم كامل الوقت لدراسة الارباح المادية والمعنوية وخلق فرص الشغل والمساهمة في التنمية بشكل مباشر وفعال وراق.

هذا المشروع، يبقى في نظري من أكبر المشاريع التي يمكن لمغاربة العالم أن يساهموا فيه بالرأسمال المادي والبشري والمعرفي، ليس بعزيز الوصل اليه ، لكن لابد من مراجعة بعض الامور قبل الشروع في التفكير فيه.

الابناك والادارة والعدالة والمجالات الحضرية ، ربما موضوع الابناك وما يأتي منها من سلف ونسبة المرابحة وطرق معالجة طلبات التمويل وغيرها شيء معروف يجب مراجعته، علاوة على الادارة والتي يجب اعادة النظر فيها كليا لانها تجعل المستثمرلا يشعر بالرضى والارتياح والتشجيع. وهناك مشكلة العدالة المتربطة بالمنازعات التجارية وخير دليل في هذا الباب والذي وقع ضحيته عدد من مغاربة العالم هو المشروع العقاري – دارنا – والذي كان ضحيته مئات من مغاربة العالم.

وأخيرا ما يسمى بالمجالات الحضرية، فلا يعقل مثلا أن الشواطء التابعة لمدينة الرباط عاصمة البلد، لا يوجد بها ولو مرحاض عمومي واحد، أما مستودعات الملابس والدوشات فهي بعيدة المنال، هذه الامور مجتمعة تجعل المستثمر يتراجع الى الوراء لان أرضية الاستثمار غير قابلة للمغامرة بضخ أموال في استثمارات كفتح المطاعم والمقاهي بحكم انعدام تهيئة المجالات.

دون أن ننسى المؤسسة التي سوف تكون القنطرة بين المستثمرين من مغاربة العالم والدولة المغربية ، لا أريد الدخول فيما يسمى بمجلس الجالية لانه أصبح متجاوزا من كل النواحي ، وعليه يتوجب التفكير الجدي في اٍخراج مؤسسة برجالات لها تصور ولها بعد النظر في ترجمة الافكار الى مشاريع حقيقية تعود على الاقتصاد المغربي بالنفع العميم وترفع من قيمة النمو بحقاءق وأرقام وليس بتقارير أدبية تمجد فيها العلاقة بالوطن والثقافة واللغة العربية والمحافضة على الدين الاسلامي.

الجالية المغربية ثروة ومنبع لطاقات بشرية يمكن ان تغير الاقتصاد المغربي شريطة اشراكها في التنمية البشرية، وهذا لا يتأتى اٍلا بشرط واحد، ألا وهو اختيار نخبة من الكفاءات. وهنا لابد من الاشارة أن الكفاءات ليست دائما بالشواهد والدبلومات، اٍنما بالحس والتفاعل مع مجريات الاحداث والمتابعة عن قرب وليس من على المنصات، أو بلغة بسيطة اٍبعاد النظريات والتشبث بالافكار التي يمكن ترجمتها فوق أرض الواقع.
حينما نطرح الحديث عن الجالية المغربية، يجب التعامل مع هذه الفئة بحكمة ورزانة وبعد النظر ، لأن عددهم كبير وكثير، وخصوصياتهم تختلف من بلد الى آخر.

صحيح أن الجالية تشكل قوة اقتصادية في الاقتصاد المغربي، وصحيح أيضا، أنها تشكل عامل تحفيزي للشباب العاطل في المغرب والذي لا يتراجع عن المغامرة في المخاطرة بحياته من خلال امتطاء قوارب الموت. لكن يجب العمل بالمثل الذي يقول: لا توجد ورود بدون أشواك.

مؤشرات ارتفاع تحويلات مغاربة العالم يمكن تلخيصها في ثلاثة نقط رئيسية : أولا تقاوم الجالية المغربية التهميش والعنصرية والاسلاموفوبيا في بلدان اقامتها لوحدها، وبمجهوداتها الذاتية.

ثانيا، تقاوم الجالية الفقر في بلدها الاصلي من خلال مساعدة الاقارب والمحتاجين في مناسبات مختلفة وفي حالات طارئة كما هو الحال الان، حيث قلصت – كرونا – من مداخيل الاسر على العموم.

ثالثا ، تقاوم الجالية التهميش السياسي الذي تعاني منه في بلدها الاصلي والذي لازال لم يصل الى درجة التنزيل ، رغم الوعود التي تتبناها الاحزاب في كل مناسبة وفي كل مهرجان.

هذه الاحزاب سارعت الى احتواء الحدث بخلق جمعيات وفروع حزبية لا تتبنى أي مبادرات ولا أي اقتراحات اٍلا اٍذا كانت نابعة من مركزية الحزب ، وهو الامر الذي يجعل مغاربة العالم خارجين عن التغطية الاعلامية.

اذا كانت مساهمة مغاربة العالم كبيرة في تخفيف أعباء الاقتصاد المغربي، فانها من جهة ثانية لم تستطع كبح نوايا بعض الشباب الذين يغامرون بحياتهم في قوارب الموت ، منهم من نجح في الوصول الى أروبا ، ومنهم من توفى في البحر ، ومنهم من لازال محتجزا في معتقلات دول أجنبية، وفي مقدمة هذه الدول تأتي دولة ليبيا والتي يتعذب الشباب المغربي في سجونها والبعض الاخر من الشباب المغربي يعاني العقوبات بالضرب المبرح والمعاملة الغير الانسانية من طرف جنود حراسة الحدود بدولة اليونان.

خلاصة القول: لا الاحزاب السياسية ولا المؤسسات التي تدعي أنها ترعى شؤون الجالية، ولا البرلمانيون قادرون على بلورة مدى استفادة الاقتصاد المغربي من مغاربة العالم، دون التركيز على العملة الصعبة. هذا الخطأ سوف يبقى جاري به المفعول، ما لم تتم الاستعانة بالمختصين والمتقفين والمبدعين والنشطاء من مغاربة العالم لئلا تضيع فرص السمو بالاعلام ومجالات الثقافة والرياضة والعلوم والاستثمار.
هناك نظام عالمي جديد بدأ يظهر في الافق، وعليه يجب التفكير الجدي في استغلال الفرص المتاحة لتقوية الاقتصاد الوطني بما فيها الاستثمارات المنجزة من قبل رجال أعمال مغاربة يقطنون خارج الوطن .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *