الإحسان: فلسفة حق وجمال قراءة في كتاب الإحسان للفيلسوف الروماني سينيكا
القيم هي تلك العادات أو المبادئ التي يمارسها الإنسان في حياته اليومية أ تلك الغايات التي يسعى لتحقيقها.
ولغة تعني القيمة ثمن الشيء وقيل الاستقامة والاعتدال.
و تضم القيم ثلاث أنواع كبرى سطرها الفلاسفة من قديم هي:
الحق والجمال والخير، ولقد أضاف إليها بعض المحدثين منهم قيمة المقدس وقيمة الحب
وحول قيمة تنتمي إلى قيم الخير الكثيرة ألا وهي قيمة الإحسان سوف نتحدث منطلقين مما سطره الفيلسوف الروماني سينيكا في كتابه “عن الإحسان ” (ترجمة د.حمادة أحمد علي، القاهرة، 2018).
“سينيكا”، الذي يعد من أشهر الفلاسفة القدامى، رواقي المذهب وزعيمه في المرحلة المتأخرة من الرواقية التي ركزت على كل ما هو عملي تطبيقي وخاصة في مجال الأخلاق قولا وفعلا، وفي مؤلفات وحياة سينيكا ما يؤكد على دعوته إلى أن يحيا الإنسان واع جدا بما يتوافق مع الطبيعة ويعيش محبا لها ولأخيه الإنسان دون افتعال أو تعال، كما أشار إلى ذلك حمادة أحمد علي المترجم في مقدمة الكتاب.
أولا: الإحسان قيمة فلسفية :
في تأمل الإحسان الذي له أهمية في التراث الفلسفي القديم قبل الفيلسوف سينيكا، لكن عمل سينيكا حول الإحسان هو من قدر له حياة أطول من بين باقي الأعمال في هذا الموضوع أي الإحسان كقيمة فلسفية، كرس سينيكا الذي يلتزم بأسس المذهب الرواقي وإن كان يعيد صياغة بناءه على تجربته وقراءته المتبحرة للفلاسفة الآخرين إذ يقول في كتابه الحياة السعيدة: “هل تلحظ كلامي حين أقول آراءنا فإني لا أربط بين آرائي وآراء أحد من فلاسفة الرواقية، ولي الحق أن يكون لي رأي… وفي النهاية أتبع المذهب الرواقي في الطبيعة ولا أخرج عليه..”
قلت لقد كرس سينيكا نفسه لهدف عملي وهو تشجيع السخاء الاجتماعي بتعليم أقرانه أفضل السبل لتقديم الإحسان وتلقيه، وقد قام سينيكا بتحليل التفاعل الاجتماعي في سياق النظرية الرواقية حتى يكون لعمله القيمة المرجوة
ثانيا:مفهوم الإحسان :
الإحسان الذي هو لغة ضد الإساءة وهو مصدر أحسن إذا أتى بما هو حسن، واصطلاحا الإتيان بالمطلوب حقيقة وشريعة على الوجه الحسن.
وسينيكا الذي يقول في إحدى خطاباته: “علمتنا الفلسفة أن نبذل الإحسان قبل كل شيء”، حين يتساءل: ما الإحسان؟ ويجيب كالتالي: ” إنها فعل يبنى على النية الحسنة وهو يدخل السرور ويؤدي إليه”، فالإحسان خير غير مشروط ويتعلق أكثر ما يتعلق بالنية بالدرجة الأولى، فوفق ما يقول “أن النية تمجد ما هو جميل وتلقي الضوء على ما هو دنس، أي النية السوء التي ينظر لها كقيمة” ويعلق أحدهم في مقدمته حول الكتاب فيقول إن النوايا الحسنة تضفي المتعة، حيث إن المتعة منفعة للطرفين، النية إحسان حقيقي، وهي جزء لا يتجزأ من صفات الإحسان.
ثالثا: صفات الإحسان :
بالإضافة إلى النية الحسنة وهي صفة باطنة، وأما الصفات الظاهرة فيحددها سينيكا في ثلاث ويمثلها كثلاث أخوات يقول: “…ترسم متشابكة الأيدي وهي باسمة وغضة وعذرية وتتزيا بلباس فضفاض شفاف، ويرى بعض الناس أن إحدى الأخوات واقفة لتمنح الإحسان، والثانية تتلقاه، والثالثة ترده … فهي غضة لأن الإحسان لا يشيب، وهي عذراء لأن الإحسان طاهر وليس دنسا ويبجلها الجميع، ولا ينبغي أن يكون الإحسان مقيدا أو مشروطا؛ لذا تتزيا بلباس فضفاض، وترى بكاملها لأنها شفافة”، فيا له من تقسيم و تمثيل شاف كاف
رابعا: خصائص ووظيفة الإحسان:
هذا الإحسان الذي على الناس أن يتعلموا بذله وتلقيه ورده بحرية، يمكن أن يتميز في نوعين: أحدهما الإحسان المادي والثاني الإحسان ذاته أي الإحسان في نية المعطي، وقد سبق وأشير إلى أن النية إحسان حقيقي.
وهذا الإحسان الذي وظيفته:” هي توفير مزيد من الارتياح وأن لا تأتي بغاية مشينة -بحسب ما سطر سينيكا في كتابه “عن الإحسان” قيد القراءة- له ثلاث أصناف.
خامسا: أصناف الإحسان:
يقول فيلسوفنا: ” يصنف الإحسان الضروري إلى ثلاثة أصناف؛ أولا- وهي الأشياء التي لا يمكن أن نعيش من دونها، وثانيا- وهي الأشياء التي لا ينبغي أن نعيش من دونها، وثالثا- وهي الأشياء التي لا نطلبها للعيش من دونها”.
فالنموذج الأول كإنقاذ حياة إنسان من عدو أو طاغية؛ النموذج الثاني، وهو الإحسان المفيد كما سماه سينيكا، يتمثل في المال لمستوى معقول من المتعة وليس للإسراف، والشرف والترفع لمن يسعى إلى منزلة اجتماعية رفيعة، والأشياء التي تدوم، فيجب النظر إلى الإحسان على أنه أشياء دائمة لأنها تحفز الذاكرة وإن كانت ضعيفة؛ أما النموذج الثالث فهو ذلك الإحسان غير الحقيقي، أي إذا بذله شخص لأي فرد ولم يقدره، فالأشياء التي تمنح بتهور وتهاون غير مرغوبة من أحد.
وصفوة القول: لنتذكر بأن الإحسان طريقة التفكير التي يحملها كل شخص تجاه ما حوله من الأشياء أو الأنشطة أو المعاني، والتي تساعده على تحديد رغباته وتوجيهها.